
بيترا غانم
تتواصل التطورات في قضية اختطاف المواطن اللبناني عماد أمهز في مدينة البترون، شمال لبنان، حيث تكشفت تفاصيل جديدة حول عملية “الإنزال” التي نفذتها قوة عسكرية مجهولة، يعتقد أنها تابعة للجيش الإسرائيلي. هذه الحادثة أثارت العديد من الأسئلة حول هوية المختطف والمصير الذي قد يواجهه، في وقت تصاعدت فيه التصريحات المتضاربة حول انتمائه لجماعة حزب الله. وعلى الجانب اللبناني، لا تزال التحقيقات جارية للكشف عن ملابسات الاختطاف، في حين وجه والد أمهز نداءً عاجلاً للحكومة اللبنانية وللمنظمات الدولية للتدخل من أجل إعادته.
تفاصيل عملية “الإنزال” والخطف في البترون
في فجر يوم الجمعة، أفادت تقارير إخبارية بأن مجموعة من الجنود، يُقدّر عددهم بحوالي 20 عنصراً، نفذت عملية إنزال بحري على شاطئ البترون، حيث تم اختطاف المواطن عماد أمهز واقتياده على متن زوارق سريعة إلى عرض البحر. وحسب المعلومات المتوفرة، كانت العملية دقيقة ومنسقة بين وحدة “شايطيت 13” التابعة للجيش الإسرائيلي ووحدة 504 الاستخبارية، المعروفة بعملياتها الخاصة.
العملية جرت بعد أن تم تحديد مكان أمهز في شقة استأجرها في المدينة قبل نحو شهر، حيث كان يقيم لأغراض دراسية في معهد بحري، وهو ما يفسر وجوده في المنطقة في ذلك الوقت. ولدى تفتيش الشقة، عثرت الأجهزة الأمنية اللبنانية على عدد من الشرائح الهاتفية الأجنبية وجهاز هاتف مع جواز سفر أجنبي. كما تبين أن شقة أمهز كانت تحتوي على معدات بحرية قد تكون ذات صلة بنشاطه. إلا أنه، كما أفادت تقارير أخرى، فإن إسرائيل قامت بحذف جميع بيانات تسجيل الكاميرات في محيط الشقة عن بُعد، ما يثير التساؤلات حول طبيعة العملية.
اتهامات متضاربة حول انتماء أمهز
نفت مصادر من حزب الله اللبناني أي علاقة لعماد أمهز بالحزب، مؤكدة أن لا معلومات لديها عن شخص يدعى عماد فاضل أمهز كأحد المسؤولين في الحزب. ومع ذلك، تزايدت الأنباء التي تشير إلى أن أمهز كان مسؤولًا عن الأنشطة البحرية لحزب الله، حيث تحدثت تقارير عن انضمامه إلى وحدة “يونس” البحرية السرية، التي تضم حوالي 80 عنصرًا فقط من حزب الله وتتمتع بقدرات بحرية متطورة، بما في ذلك صواريخ بحرية متقدمة.
وتعود هذه الاتهامات إلى أن حزب الله قد طور على مر السنوات الماضية قدرات بحرية متزايدة تشمل صواريخ وأسلحة متخصصة لضرب السفن في البحر المتوسط. ووفقاً لمصادر إسرائيلية، فإن أمهز قد يكون على دراية بهذه الأنظمة، ما يجعل من اختطافه خطوة في سياق الحرب المستمرة بين إسرائيل وحزب الله.
ردود فعل السلطات اللبنانية
على الصعيد الرسمي اللبناني، أثار الحادث غضبًا كبيرًا، حيث طالب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بفتح تحقيق عاجل في عملية الاختطاف. كما وجه ميقاتي وزارة الخارجية اللبنانية بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن انتهاك السيادة اللبنانية واختطاف أحد مواطنيها. ولفتت السلطات اللبنانية إلى خطورة هذا النوع من العمليات، خصوصاً في ظل الظروف الأمنية المتوترة التي تشهدها المنطقة.
في السياق نفسه، ناشد والد عماد أمهز، فاضل أمهز، الحكومة اللبنانية والمنظمات الدولية، بما في ذلك القوة البحرية الألمانية والصليب الأحمر الدولي، للتحرك العاجل والعمل على إعادة ابنه المختطف. وأوضح في رسالته أن عماد هو “قبطان بحري مدني” يعمل في مجال النقل البحري، وليس له أي علاقة بالسياسة أو بالمجموعات المسلحة. وقال إن “جواز السفر البحري” الذي يمتلكه ابنه يتيح له دخول الدول عبر البحر، وعند انتهاء عقد عمله، كان من المفترض أن يعود إلى لبنان عبر جواز سفر عادي.
كما أشار فاضل أمهز إلى أن الصور المتداولة حول جواز سفر ابنه وشرائح الهواتف الأجنبية تعود إلى طبيعة عمله في المجال البحري، وليس لها أي علاقة بأنشطة سياسية أو عسكرية. وناشد المجتمع الدولي بالضغط على السلطات الإسرائيلية لتسليم ابنه، ودعا القوات اللبنانية لحماية المواطنين اللبنانيين من مثل هذه الهجمات.
التصعيد العسكري الإسرائيلي في لبنان
هذه الحادثة تأتي في وقت حساس للغاية، حيث تواصل إسرائيل تصعيدها العسكري في لبنان منذ بداية أكتوبر 2023، في إطار المواجهات المستمرة مع حزب الله. ووفقا للجيش الإسرائيلي، تم تدمير نحو 70% من طائرات حزب الله المسيرة التابعة للوحدة 127، في حين تم القضاء على العديد من قادة الحزب وعناصره. كما أكدت التقارير العسكرية الإسرائيلية مقتل قائد وحدة الطائرات المسيرة التابعة لحزب الله في منطقة شمال الليطاني، وتدمير أكثر من 50 موقعًا تحتوي على مسيرات وأسلحة بحرية.
وتزامن هذا التصعيد مع أنباء تفيد بأن حزب الله قد بدأ استخدام صواريخ بحرية لتهديد السفن الإسرائيلية في البحر المتوسط، ما جعل بعض التقارير تتحدث عن احتمال أن يكون أمهز قد تورط في أنشطة بحرية تتعلق بتطوير هذه الأسلحة.
دور قوات حفظ السلام الدولية “اليونيفيل
من ناحية أخرى، جددت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة “اليونيفيل” تأكيدها على التزامها بالبقاء في مواقعها في جنوب لبنان، رغم التحذيرات من أن انسحابها قد يفتح الباب لاحتلال هذه المناطق من قبل أحد الأطراف المتصارعة. وقد اعتبرت مصادر في الأمم المتحدة أن بقاء “اليونيفيل” ضروري لضمان استقرار المنطقة ومنع التصعيد العسكري بين لبنان وإسرائيل.
وفي هذا السياق، تم تسليط الضوء على مسؤولية القوات الدولية في حماية المدنيين في المناطق الحدودية اللبنانية، وضرورة العمل على منع تكرار مثل هذه العمليات، التي قد تشعل المزيد من الصراعات.
التوجهات المستقبلية والتحقيقات الجارية
حتى الآن، لم يصدر أي بيان رسمي من قبل الجيش الإسرائيلي حول تفاصيل عملية الاختطاف، ما يعزز الشكوك حول مدى التنسيق بين الأطراف الإسرائيلية وأي أطراف لبنانية أو دولية قد تكون على علم مسبق بالعملية. بينما تواصل السلطات اللبنانية جمع المعلومات لتحديد هوية الخاطفين وأسباب اختطاف أمهز، في وقت تزداد فيه الضغوط المحلية والدولية على الحكومة اللبنانية لتقديم رد فعل قوي.
وتتزايد المخاوف من أن تكون هذه العملية جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أوسع تستهدف ضرب القيادات العسكرية لحزب الله في الأراضي اللبنانية، في ظل التصعيد المتواصل في المنطقة، مما يجعل من قضية عماد أمهز نقطة حاسمة في الصراع القائم.
يبقى مصير عماد أمهز لغزًا يثير الكثير من الأسئلة في ظل تصاعد التوترات في لبنان والمنطقة بشكل عام. هل كانت عملية اختطافه مجرد خطوة استباقية في مواجهة إقليمية أوسع، أم أن وراءها أبعادًا استخبارية تتجاوز مجرد استهداف شخص واحد؟ وبينما تواصل السلطات اللبنانية التحقيقات، يبقى الأمل معقودًا على المجتمع الدولي لضمان حقوق المواطنين اللبنانيين وحمايتهم من الانتهاكات، في وقت يبدو فيه أن كل خطوة في هذا الصراع قد تكون بداية لمرحلة جديدة من التوترات والأزمات. وبينما يترقب الجميع تطورات هذه القضية، يظل السؤال الأبرز: هل سيظل لبنان ساحة للصراعات السياسية والعسكرية، أم أنه سيشهد يوماً ما الفجر الذي يلوح في الأفق من أجل السلام والاستقرار؟