د.ايلي الخوري
في خضمّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يُعاني منها لبنان منذ عام 2019، اتخذت الحكومة اللبنانية مؤخرًا قرارًا مضحكًا شبيهًا بالذي أصدرته عند إقرار سلسلة الرتب والرواتب بزيادة رواتب موظفي القطاع العام.
يُثير هذا القرار تساؤلات حول مدى فعاليته في ظلّ غياب أيّ إصلاحات اقتصادية جذرية. فهل تُشكل هذه الزيادة حلاً فعليًا لمشكلة تآكل الرواتب، أم أنها مُسكن مؤقت يُفاقم الأزمة على المدى الطويل؟
مخاطر الزيادة دون إصلاحات:
زيادة رواتب القطاع العام دون إصلاحات اقتصادية مُقترنة بها قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. ارتفاع الأسعار في ظل عدم وجود منتجات جديدة في السوق نتيجة لهذه الزيادة يُفاقم التضخم ويُقلّل من قدرة الشراء. إضافة إلى ذلك، تُشكل الزيادة عبئًا إضافيًا على خزينة الدولة المُنهكة، خاصةً مع عدم وجود تمويل واضح لها. كذلك، لا تشمل الزيادة جميع موظفي القطاع العام، مما يُخلق شعورًا بالظلم لدى الفئات المُستثناة. الأخطر من ذلك، أن الزيادة لا تُعالج الأسباب الجذرية للأزمة، مثل الفساد وسوء الإدارة، مما يُبقي على مُشكلة تآكل الرواتب قائمة على المدى الطويل.
الحلول المطلوبة:
لضمان استدامة زيادة رواتب موظفي القطاع العام ومنع تفاقم الأزمة، يجب أن تُواكبها إصلاحات اقتصادية شاملة. تشمل هذه الإصلاحات، على سبيل المثال لا الحصر، إقرار قانون الكابيتال كونترول لضبط حركة الأموال، وإعادة هيكلة القطاع العام وتحسين كفاءته، ومكافحة الفساد وسوء الإدارة، وجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة.
إلى جانب ذلك، يجب ربط زيادة الرواتب بتحسين الإنتاجية وكفاءة العمل في القطاع العام. كذلك، يُعد العمل على مُعالجة الفجوة بين رواتب القطاعين العام والخاص ضروريًا لضمان العدالة وتحفيز الكفاءات للبقاء والعمل في لبنان.
مخاطر تجاهل الإصلاحات:
يتجاهل قرار زيادة الرواتب دون إصلاحات اقتصادية مخاطر جسيمة على المدى الطويل. فقد يُؤدي ذلك إلى انهيار الليرة اللبنانية بشكلٍ كامل، مما يُفضي إلى فوضى اقتصادية واجتماعية. كما يُتوقع تفاقم الفقر ليصبح ظاهرة منتشرة بشكلٍ كبير، وهو ما يُهدد الاستقرار الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، قد تُهاجر الكفاءات اللبنانية بحثًا عن فرص أفضل في الخارج، مما يُؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني.
الخلاصة:
بناءً على ما سبق، لا يُمكن اعتبار زيادة رواتب القطاع العام حلاً فعليًا للأزمة الاقتصادية في لبنان. إنّ معالجة الأزمة تتطلب إصلاحات اقتصادية جذرية تُعالج الأسباب الجذرية للأزمة. تجاهل الإصلاحات يُهدد بتداعيات خطيرة على المدى الطويل، مما يُؤكّد على ضرورة اتخاذ خطواتٍ جادةٍ لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من الانهيار.