في لبنان ، لم يعد الإصرار على لزومية إنتخاب رئيس للجمهور و التخوف من تمدد حالة الشغور الرئاسي الخبر الأبرز ذا اللون الأحمر المنذر بالخطر الكياني . كما لم يعد الخوف الفعلي من وقوع الفراغ في مقام الرئاسة الأولى رأس الأخبار ،و لا هو يستأهل عنوانا بالخط العريض على الصفحات الاولى للجرائد المناضلة بما بقي فيها من لحم و عظم لتثابر بالصدور .
لبنان بكل ما فيه من ويلات و ماهو عليه من نكبات ، لم يعد رأس اخبار الإعلام . الإعلام بكل مستوياته المحلية و الاقليمية و الدولية تنكر لنا و لم يعد قادراً ان يراعي خواطرنا اكثر ، إما لأن الحقيقة لم يعد لها اهل يحمونها و لا اصدقاء يخافون عليها، و إما لان لبنان كنموذج تحد لبعض الأنظمة و السياسات الإلغائية و العنصرية ، أمسى عبئاً على كل أشكال الديمقراطيات و التوتاليتاريات و ممهداً لحكم الطوائف ، و هو ما كان ليكون على هذه النماذج من ادارات الحكم و سياسات التحكم ، و لا اهله قادرون و لا هم قابلون أبدا التهاون بالمس بفرادة الصيغة التي اقروها وطنا نهائيا لهم ، تحكمه الكيانية الرضائية و التفاهمات الوفاقية و الصيغ التوفيقية كقيم ارتكز عليها النظام اللبناني بواقعيته السياسية و عقلانيته المجتمعية .
مكمنُ الخطر ، انه كلما كنا نرفض شيئا بالمنطق نعود لنقبله بالعاطفة . و الأخطر إن نكون إعتدنا نحن و الدول الصديقة و الشقيقة أن نتعايش، غصباً او قناعةً او تسليماً بان الفراغ إستحال وضعاً مألوفاً لبنانياً و دولياً ، و ان يكون النظام اللبناني القلق حالة دستورية إستثنائية ، تدرس في كليات الحقوق و العلوم الدستورية كنموذج إستثنائي و إختباري للقانون الأساسي الناظم لحكم التوافقات الاهلية للجماعات الشعبية الموزعة طائفيا و مذهبيا ، و بحماية نصوص إستهلاكية يعوزها التحصين الدائم للدستور المُهدَّد بروحيته ، فهماً و تطبيقاً و إحتهادات تفسيرية مفصلة على قياس أزمة اللحظة الكثيرة التواتر .
فمع التجذر في الفساد و الإمعان في العطب السياسي و الكسل الدستوري ، و عدم اقدام المثقفين لأن يبادروا لتشكيل قوة رأي ناقدة و رقابية ، إستحالت الوضعية اللبنانية مشكلة كثيرة العقد و تحتمل شروحات و تفسيرات مختلفة ، محورها مراعاة الظروف و الوقوف على خاطر مجموع الجماعات و النخب السياسية و تلك التي تنبري لتشكل نمطاً فكرياً وقائياً للدفاع عن خيار سياسي او موقف عقيدي . كل أشكال النخب موجودة في النموذج السياسي اللبناني الراهن ، إلا النخب الثقافية و الفكرية ، الغائبة قصورا و خجلا و خوفاً ، او لأنها مُغيَّبَة قسراً و خدمة لفتح المجال لبروز نخب من صنوف مختلفة ، حضر تنوُّعها الكثير و غابت نوعيتها المايزة .
و إذا كان رأس الأخبار هو مخافة الحقيقة ، فأي كلام يقال لتوصيف وضعيتنا المأزومة و الضاجة بالمآزق الكيانية ، في زمن ما عاد فيه لبنان رأس الاخبار و ليس للحقيقة فيه من يخافها و لا من يخاف عليها .
جورج كلّاس
وزير الشباب والرياضة