المهندس ساسين القصيفي
إنَّ النَّاظِرَ الى عُمقِ ما يجري، في الشَّرق الأوسطِ، منذ عمليَّةِ طَوَفانِ الأقصى، التي نفَّذَتها حركةُ حماس من غزَّة، وما رافقَها من حروبِ الإسنادِ، من حزبِ الله في لبنان، إضافةً الى بعضِ أحزابِ المُمانعةِ في دُولِ الإقليم، وما تلاها من حروبٍ مُدَمِّرةٍ من اسرائيل، على غزَّة ولبنان وبعضٍ من الإقليمِ، يَتَيَقَّنُ أنَّ وجْهَ الشَّرقِ الأوسَطِ، يَتَغَيَّرُ.
ليسَ تفصيلًا، أن يُقتَلَ زعيمُ حزبِ الله في لبنان، بِهذه الطريقةِ، إضافةً الى الكثيرِ من كوادرِ الحزبِ العسكريَّة. فالسيِّد نصرالله، لم يَكُن رئيسَ حزبٍ فَحَسب، بل كانَ قائدًا مُوَجَّهًا ومُوَجِّهًا لكلِّ الفصائلِ العسكريَّةِ الإيرانيَّة، في دُولِ الإقليم.
وكذلك، فإنَّ دَوِيَّ الصَّمتِ العَرَبيِّ والإقليميِّ والدَّوليِّ، على هذه الحربِ الإرتداديَّةِ، التي تَشُنُّها اسرائيلُ في الإقليمِ، هو أكثرُ من مُعَبِّرٍ. إذ اقتصرَت الردودُ على التنديداتِ الإعلاميَّة. فيما تدخُّلَ إيرانَ العسكريَّ، كان مزيجًا من التَّعبيرِ عن العجزِ، المَدموجِ بنكهةٍ من المَصلحة الذاتيَّةِ.
أمَّا روسيا والصِّين، وهما الحليفتانِ الطبيعيَّتانِ لِمِحوَرِ المُمانعة، فَغَائبتانِ عن المَشهدِ السياسيِّ والعسكريِّ والإنسانيِّ والإجتماعيِّ… ويأملانِ كلٌّ من موقعِهِ، المحافظةَ على ما لَهُما من نفوذٍ في الإقليم، او الحَظوَةِ بِفُتاتٍ سَيُترَكُ لهما.
إنَّ القارئَ لِمَشهديَّةِ أطول حربٍ مستمرَّةٍ بين العرب واسرئيل، والتي اليومَ تَختَتِمُ سنَتَها الأولى بالتَّمامِ والكمال، يَستشِفُّ قرارًا دوليًّا كبيرًا، بِتَقليمِ أظافرِ إيران العسكريَّةِ، وبِتَبديلِ خطوطِ خرائط النُّفوذِ، في المنطقةِ.
فَحَركةُ حماس، بُدِّدَت قِواها العسكريَّة، فيما قطاعُ غزَّة، أصبَحَ أرضًا غير صالحةٍ للعيش الكريم.
وحزبُ الله، تَتَالَت عليه الضرباتُ المُوجِعَةُ، من تفجيراتِ ” البيْجِرْز” وأجهزَةِ الإتِّصالِ، والتي أخرَجَت الألافَ من كوادرهِ من الخِدمَة، الى استشهادِ أمينِهِ العام، مع الكثيرِ من رجالاتِ الصَّفِ الأوَّلِ والثاني، إضافةً الى دمارٍ شبه شاملٍ لمناطِق نُفوذهِ، مع نزوحِ كبيرٍ وغيرِ مُنَظَّمٍ، للبيئة الحاضِنَة للحزب.
أمَّا سوريا من جهَّتِها، فَما زالت مُلتزمَةً، بالصَّمتِ الإستراتجيِّ، بتدبيرٍ روسيٍّ حصيفٍ.
هذه هي الصورةُ اليوم، فهل ستسطيعُ إيران تبديلَها في القادِمِ من الأيَّام؟!
ايرانُ، المُثْقَلَةُ بالكثيرِ منَ المَشاكلِ الإقتصاديَّةِ والأزماتِ الإجتماعيَّة والتَّحدِّياتِ الجيو- سياسيَّةٍ، تَميَّزَ قادَتُها، بقراءةٍ واقعيَّةٍ للسياسةِ الدوليَّة، إضافةً الى تَبَصُّرٍ حَكيمٍ ومَوْضُوعيٍّ لِمَوازين القوى الإقليميَّةِ والدوليَّة. وفي التَّاريخ القريبِ، لم يتردَّد الخُميني في تَجَرُّعِ كأسَ السُّمِّ، في مُوافقتِهِ على وقفٍ لإطلاق النارِ، مع عراقِ صدَّامَ حُسين، سنة 1988، عندما كانت مصلحةُ إيران – الأمَّةَ، تقتضي ذلك!
وعلى ما سَبَق، وبِرُغمِ الظُّروفِ الصَّعبةِ الان، فإنَّ المِنطقةَ، متَّجهةٌ الى فترةٍ طويلةٍ من وقفِ الأعمالِ العِدَائيَّةِ، مَصحوبة بخُطَطِ تنميَةٍ اقتصاديَّةٍ واجتماعيَّةٍ…وربَّما سياسيَّةٍ، تُفيدُ معظَمَ مُكوِّناتِ الإقليم. وإيرانُ الدولةُ، ستكونُ شريكًا رئيسًا في هذه التفاهماتِ، ضِمنَ خطوطِ الاستراتجيَّةِ الدوليَّةِ، بِتَحييدِ النُّفوذَيْنِ، الروسِيِّ والصينيِّ، عن الإقليمِ، وعن خطوطِ التجارةِ بين المركزِ الهنديِّ المأمولِ للصناعةِ والغرب.