Skip to content Skip to footer

جوزف لويس خليفه الوجه اللطيف والموظّف النظيف

بالأمس أيقظني فجري الكانوني على خبر مؤلم وضعني في جو مظلم،حيث أن شمسا مشرقة قد أفلت من سماء الدوحة العمشيتية إلى جنّة الحياة الأبدية، ففقدنا بغيابها وجها مضيئا من الوجوه الجبيليّة،وقيمة ثمينة من القيم الإنسانية، ورمزا مميزا من الرموز الفكرية، وصديقا صادقا من الرحاب اللبنانية.
فارتحل من بيننا ركنا من أركان المجلس الثقافي في بلاد حبيل، وقامة سامقة من جارتنا عمشيت، رئيسا سابقا لناديها وناشطا إجتماعيا وثقافيا ورياضيا في شتّى ميادينها، وموظفا نظيفا في الضمان الإجتماعي، تشهد له سيرته ومسيرته. إنه الأستاذ جوزف لويس خليفه،الذي بعد أن بلغني نعيه، وجدت مواقع التواصل تتسابق الى تنقية الكلمات ولملمة الصفات من حقل أيامه، لتملأ الصفحات بغنى مبانيها وعمق معانيها، في شخص طالما راح من حواضره يغنيها، فتنضح بالوفاء وترشح بالنقاء في وداع من كان يطفح بالمحبة والعطاء .
أما وقد حملتني إلى عالمها مشاعر التقدير، وسبقني يراعي ليسكب على أوراق الزمن أصدق التعابير، لتتعملق المفردات في رثاء ذلك الخادم الأمين الذي عرف كيف يتاجر بالوزنات،وذلك الرجل الرصين الذي عرف كيف يحافظ على أسمى السِمات ،ولا غرو في ذلك ،فهو سليل العائلة العمشيتيّة العريقة،لا بل ابن تلك العائلة التي أعطت الدين والدنيا رجالات صنعوا للوطن وللكنيسة تاريخا عامرا، وغرسوا بإقدامهم وعزمهم وتفانيهم وإيمانهم حقلا زاهرا، وتركوا في ذاكرة ومكتبة الأجيال نتاجا باهرا.
وأكمل” الريس” جوزف الرسالة وبكل صدق حمل الأمانة، ففي “الضمان” كان ضمانة، وحسبه من ٱدميته التمتّع بأرفع حصانة،حيث حافظ ذلك الوجه اللطيف والشخص النظيف على قيمته وقيمه في زمن بيعت فيه الضمائر، وعشّش الفساد في الدوائر، وارتفعت من المال الحرام “العمائر” ،فلم يسكر من المراكز أو”ينتشي”، ولم “يغتني” من الوظيفة أو”يرتشي”.
والكبير يبقى كبيرا حتى في سياسته ،وهذا ما إستشفّيته من خلال قراءتي لبعض مقالاته السياسية لا بل الوطنية، فبقدر ما كان محافظا على مبادئه وثابتا في مواقفه، بقدر ما كان منفتحا على الرأي الٱخر ومحترما لأخصامه كما لرفاقه.
إنه عاشق الكلمة وأديبها، لا بل رسولها وممتطي حصانها، وإنه رمز الثقافة والمعرفة،الذي طالما تقت إلى مجالسته،كما أسعدني ثناءه على كتاباتي، و إعجابه بكلماتي، هو الذي إلى كل مناسبة كان السبّاق وفي كلّ ندوة كان الذوّاق، حتى أنّه كلّما أغدق بذوقه الأدبي عليّ أشعر بذلك وكأنّه بمثابة تمختر الوسام على صدري، وكلما خصّني بمتابعته الدائمة أعتبر ذلك بمثابة إضفاء للعطر على فكري.
وكيف لا أهرع إلى وداعه، وأقوم بتقديم العزاء لعائلته ومحبّيه !، وإن كان أحد المتخلفين عن القيام بالواجبات والمستخفّين بها، قد سألني إن كنت على معرفة بهم!؟، فبادرته وأنا الذي أعرف بعضهم، الى أنه يكفيني فخرا أن أكون على معرفة بشخصه الكريم ومن خلال معرفتي به حقّ المعرفة ،فكأنني على معرفة بذويه جميعا. وما تفاجأت بتدفق المعزّين الى قاعة كنيسة مار يوحنا في عمشيت،وليس ذلك الا شهادة تُمنح لمكنونات سنوات عمره ،وقد غدره القدر واقتحمه المرض، وكانت مازالت تليق به الحياة، لما تحلّى به من صفات،وما زاوله من نشاطات، وما نسجه من علاقات، وما قدّمه من خدمات، وما قام به من واجبات.
رحم الله ذلك الشخص القدير والمتواضع الكبير، وصاحب الحضور الإجتماعي والعمق الإيماني، وصائغ الذوق الأدبي والحسّ الإنساني،وأسكنه صحبة أبراره وقدّيسيه وسكب بلسم العزاء على ذويه ومحبّيه.

غانم إسطفان عاصي حصارات في٦-١٢-٢٠٢٤

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.