وزّروه ليلتحفوا بعِلمه وآدميته .فوضع عِلمه في خدمة الوطن وآدميته لحقوق الناس . فغضبوا وانقلبوا عليه.
حاصروه وحاربوه من الجهات الأربع للمنظومة الحاكمة . “فالمنظومة ” لا ترضى بكشف الحقائق وفضح المستور .
استلم وزارة المالية ، لا ورقة فيها ولا قلم ولا قيود صحيحة كما كان يخبرنا . لمّا نلتقيه معلّم فِكْر ووطنية .
داعٍ الى الدولة المدنية ، مؤمن بإخراج الدّين والطوائف من الإدارات وكل الأسلاك التوظيفية العامة .
جاهد ، ناضل ، كافح .
كان يعمل بين ال ١٨ وال ٢٠ ساعة يوميا لتنظيم وزارة المالية ولكنه كان يمضي أكثر من نصف هذه الساعات لِفَك شباك المتآمرين عليه من أهل المنظومة الحاكمة وقد ازعجهم بتمرده عليهم وعلى أساليب ادارتهم لشؤون البلاد ، فكادوا له كإخوة يوسف .
جورج قرم ، النابغة اللبناني والمحترم في مجالس أهل النبوغ والعلوم . وزير المالية الأسبق ، رحل بالأمس فقير الجيب كبير الكرامة ، وقد ضربوه بحقدهم وغيظهم فأصابوه بألف علّة حتى اعتلّ جسمه وناء بمرضه .
جورج قرم ، هذا الوزير المالية المتعلم العالِم المفكر الفنان الخَلوق النبيل المهذّب اللطيف والصارم الذي لا يساوم على قناعاته ، لم يكن عنده من سيّد إلّا الوطن السيّد والشعب السيّد والمواطن السيّد .
تآمروا عليه لأنه سدّ مزاريب الهدر في الوزارة ، وأقفل أبواب السرقة ، وفرض المساواة بجباية الضرائب ، ولم يسمح بدفع فاتورة غير مستوفاة الشروط القانونية لأي مستفيد من أي طائفة ينتمي .
رحل جورج قرم وفي قلبه غصّة على وطن ترك من أجله كل شيء في فرنسا وجاء ليخدمه بأم العين والقلب والضمير فوقع في شباك الطغاة القابضين على رقاب الناس والمصير.
رحم الله جورج القرم صاحب الْمَا يزيد عن العشرين مؤلفا.
جورج كريم