المهندس ساسين القصيفي
في مرحلةِ ما بعدَ الحربِ العالميَّةِ الثَّانيَةِ، ظهرَ على السَّاحةِ الأدبيَّة، الأوروبيَّةِ والعالميَّةِ، فيْلَسوفانِ فَرَنسِيَّانِ هُما، جان بُولْ سارْتْر وألبير كامو.
كاتبانِ عِمْلاقانِ، مَثَّلا تيَّارَيْنِ فِكرِيَّيْن مُتَضَادَّيْنِ. تَصَادقا شخصيًّا ثم تَصادَما عقائديًّا. فيما ظلالُ نتاجِهما الفكريِّ والأدَبيِّ والفَلسفيِّ، ما زالت وارِفَةً على مُختلفِ حَلقاتِ النِّقاشِ السياسيِّ والأكاديميِّ والمُجتمَعيِّ، على مساحَةِ العالَمِ الى اليوم.
لا أدَّعي في هذه العُجالةِ، الإحاطةَ بكلِّ الجوانِبِ الفِكريَّةِ والفلسفيَّةِ، لهذيْن الفيلسوفيْنِ، وقد نالَ كلٌّ منهما جائزةَ نوبل للأدآب. لكنَّني سأحاولُ الإضاءَةَ على أبرَزِ نَزعاتهما الفلسفيَّة.
ذهبَ جان بول سارْتْر بعيدًا في تمجيدِ العُنفِ الثَّوريِّ، الهادفِ الوصولُ الى العدَالةِ الاجتماعيَّة. وبَرَّرَ للأحزابِ الثَّوريَّةِ – اليساريَّةِ، الجَرائمَ التي يرتكبونها، على طريقِ إنجاحِ الثورةِ وتثبيتِ أركانِها.
وكانت لفلسفة سارْتْر، دورًا تشجيعيًّا لنشرِ الفوضى الثوريَّة، التي سيطرت على دولٍ كثيرةٍ في النِّصفِ الثَّاني من القرنِ العِشرين، حيثُ مجَّدَ تطرُّفَ اليسارِ، العَدَائيَّ والعَدَمِيَّ.
كما وآمن سارتر- وهو صاحبُ مذهَبِ الوجوديَّةِ – بأنَّ الوجودَ سابقٌ للجَوْهر، وبأنَّ الغايةَ تُبرِّرُ الوسيلةَ. ولذلك اعتبر انَّ الأخلاقَ تابعةٌ للسياسَةِ، في نظرتِهِ الى النِّهايات المجيدةِ للثوراتِ حسْبَ اعتقادِه.
وفي النَّزعة الشخصيَّة، كان سارتر، يهوى التَّمايُزَ بالتَّطرُّفِ، حُبًّا بالشُّهرةِ. وقد امتنعَ عن قبولِ جائزةَ نوبل، لأنَّ الرَّفْضَ، يُكسبُهُ رمزيَّةً أكثَرَ منَ الفَوْزِ! ولكن، وبعدَ أنْ شَعَرَ بالنَّدَمِ، طالبَ بالقيمَةِ المَّاليَّةِ للجائزَةِ، فَقيلُ له « نحنُ آسفون»!!
من جهَّتِهِ،كان ألبير كامو، رافضًا للعُنفِ الثَّوريِّ، ويُفَضِّلُ السيْرَ بطريقِ التَّمرُّدِ والاحتجاجاتِ، على نَمَطِ الاشتراكيَّةِ الأوروبيَّة، لتحقيقِ العدالة الاجتماعيَّة.
آمنَ كامو، انَّ الحياةَ عبثيَّةٌ بطبيعتِها، بسببِ عَدَم وضوحِ معناها. واعتبر أنَّ السياسةَ يجبُ ان تكونَ تابعةً للأخلاق.
وكشفَ في كتابِهِ ” الانسانُ المُتمَرِّد” الصَّادِرِ سنة 1951- والذي كان سببًا لِطَلاقِهِ الفِكريِّ مع سارتر- معارضتَهُ للفكرِ الثَّوريِّ الشُّيوعيِّ، حيث أكَّد أنَّ كلَّ ثورةٍ، تُفضي الى ديكتاتوريَّةٍ وأنهارِ دماءٍ، مُستدِلًّا على موقفِهِ هذا، بالمجازِرِ التي أعقبَتَ ثورتيْ فرنسا وروسيا… وكبديلٍ عن موقفِهِ الرَّافضِ للأيدولوجيا العُنفيَّة، دعا الى التمرُّدِ والإحتجاجِ على الظُّلمِ.
في النَّظَرِ الى المِرآةِ،
نرى سارتر، عِملاقًا ينتمي لحَقَبَةٍ قد وَلَّت، ولأيدولوجيا أثبتَت التجاربُ أنَّها عقيمةٌ ومَرَضيَّةٌ. عِلمًا انَّها ما زالت فاعلةً ثوريًّا، في عقولِ ومنهجيَّاتِ بعضِ فئاتِ دولِ هذا الإقليمِ.
فيما أرسَت تَجاربُ الشُّعوبِ، أصحيَّةَ فِكرِ كامو، في مقاربَاتِهِ الموضوعيَّة لمشاكل الدول وكيفيَّة الخروجِ بحلولٍ، على سُلَّمِ التَّطوُّرِ الطبيعيِّ للوَعْيِ الفَرديِّ والجَمعيِّ لهذه المجتمعاتِ.
فِكرَتانِ،
واحدةٌ تُمجِّدُ العنفَ والإرهابَ، وقد لمسنا نتائجَها الكارثيَّة،
وأخرى، مبنيَّةٌ على مُراكمةِ التَّطوُّرِ الطَّبيعيِّ للمجتمعاتِ، في سياقِ الانخراطِ الإيجابيِّ ضمنَ الحضارةِ العالميَّة، ولنا في كوريا او اليابان او الإماراتِ … أمثلةً عليها.
ويبقى، أنَّ الحتميَّةَ التَّاريخيَّةَ، ستكون، في الانتصارِ لفكرِ كامو، ولَو بعد حينٍ.
فحبَّذا لو يتَّعظون!