
بقلم بترا غانم
أجبرت الغارات الإسرائيلية الكثيفة، التي طالت مناطق جديدة للمرة الأولى، آلاف اللبنانيين على النزوح من قراهم وبلداتهم بعد استهداف المنازل الآمنة والطرقات، مما أدى إلى سقوط حوالي ٢٤١٢ شهيدا و ١١٢٦٧ جريحا، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية. بالإضافة إلى الخسائر البشرية، تسببت الغارات في أضرار مادية كبيرة شملت المنازل والممتلكات والسيارات.
توزع النازحون من مناطق البقاع والجنوب وضاحية بيروت الجنوبية على عدة مناطق، مع تمركز عدد كبير منهم في قرى وبلدات جبيل بمحافظة جبل لبنان. جاء هذا الانتقال استجابة لظروف قاسية فرضتها النزاعات المسلحة والأزمات الاقتصادية، حيث يسعى هؤلاء النازحون إلى إعادة بناء حياتهم في بيئة جديدة، مما يتطلب تكاتف الجهود لتخفيف معاناتهم وتحقيق استقرار مستدام.
الأوضاع الحالية للنازحين في جبيل
يواجه النازحون في جبيل ظروفًا معيشية صعبة، أبرزها التحدي في العثور على مَسكَن بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الإيجارات. هذا الأمر دفع بعض العائلات إلى تقاسم المنازل أو العيش في أماكن تفتقر إلى الخصوصية والمساحة الكافية.
كمال متوت، أحد النازحين من بلدة البازورية في قضاء صور إلى جبيل، تحدث عن معاناته في العثور على سكن.
و قال:”بعد أسبوع من البحث المضني، وبمساعدة صديق من المنطقة، تمكنت من استئجار شقة في قرية إهمج. إلا أن تكاليف الإيجار المرتفعة شكلت عائقًا كبيرًا، حيث يطلب المالكون مبالغ “خيالية”.
ويضيف متوت: “واجهنا العديد من الصعوبات خلال الطريق من البازورية إلى جبيل بسبب ازدحام الطرق والقصف المستمر، مما أخّر وصولنا”.
وعن المساعدات الإنسانية، أكد متوت أنهم لم يتلقوا أي مساعدات قائلاً: “لسنا بحاجة إليها والحمد لله”. لكنه شدد على أن “الضغط النفسي كبير بسبب ترك منازلنا وأصدقائنا وبيئتنا، لكننا سنعود بإذن الله”.
التحديات الصحية والنفسية
أثر النزوح بشكل كبير على الصحة النفسية للنازحين، إذ يعاني الكثيرون من القلق والاكتئاب نتيجة فقدان منازلهم وأمنهم. الأطفال، بشكل خاص، يواجهون صعوبات في التكيف مع بيئتهم الجديدة، مما يؤثر على تعليمهم وتطورهم الاجتماعي.
معظم النازحين يعتمدون على المساعدات الإنسانية، لأن مواردهم المالية شحّت أو انقطعت بانقطاعهم عن بيوتهم وعملهم وأرزاقهم ، ناهيك عن الصعوبات في الحصول على الأدوية الضرورية وخاصة الادوية المزمنة التي تتعلق بحالات مرضية لا تحتمل التأجيل .
قالت احدى النازحات: “ليس من السهل أن نترك منزلنا. لدينا إيمان قوي بأننا سنعود إلى بيوتنا قريبًا، وعلينا أن نساند بعضنا البعض في هذه الأوقات الصعبة. نعيش هنا كأننا عائلة واحدة، نتشارك الحزن والخوف.”
وأضافت: “كنت أعيش في الضاحية الجنوبية لبيروت، ولم أتوقع أن أرى المنازل تُهدم بفعل الغارات الإسرائيلية. رغم كل ما حدث، سنعود وسنعيد بناء منازلنا كما فعلنا بعد حرب تموز 2006.”
المساعدة المقدمة للنازحين في جبيل
استجابةً للأزمة، فتحت العديد من المدارس والجوامع والحسينيات أبوابها كملاجئ للوافدين . تهدف هذه الخطوة إلى توفير مأوى آمن بعيدا عن أماكن قصف العدو الإسرائيلي، مما يخفف من معاناتهم ويضمن لهم حماية مؤقتة. بالاضافة الى الملاجئ ، يعمل العديد من المؤسسات المحلية على زيارة جميع المراكز يوميا حيث تقدِّم الدعم النفسي والاجتماعي، من خلال تنظيم أنشطة تفاعلية و ثقاقية تعزز الشعور بالانتماء وتخفف الضغوط النفسية. كما تتجلى روح التضامن في جهود أهالي جبيل وقد سارعوا بدعم النازحين منذ بداية الأزمة، حيث يقوم السكان المحليون بحملات لجمع التبرعات من الطعام والملابس والأدوية لمساعدة ” اخوانهم وتلبية حاجاتهم الأساسية .
في حديث مع ماري بال الخوري، طالبة السنة الأخيرة في العمل الصحي الاجتماعي، أوضحت أن النازحين في جبيل تم توزيعهم على مراكز إيواء، تشمل المدارس والحسينيات والجوامع. كما تم إنشاء خلية أزمة تضم أعضاء من جمعيات مختلفة مثل كاريتاس، الصليب الأحمر، WSP، LSR، بالإضافة إلى أعضاء من مركز وزارة الشؤون الاجتماعية في جبيل، ومجموعة من الأخصائيين الاجتماعيين لتقديم الدعم الاجتماعي. كذلك، تم التنسيق مع وزارة الصحة لتوفير الرعاية الصحية من خلال مراكز الرعاية الأولية.
وأضافت الخوري: “تم تقسيم المهام وفق احتياجات كل مركز، ويتم توزيع المساعدات على هذا الأساس، والتي تشمل الملابس والحصص الغذائية اليومية. كما تم تقسيم المراكز بين الصليب الأحمر والمراكز الصحية الأولية، مثل مستوصف مشمش لتأمين الأدوية المزمنة. بالإضافة إلى تقديم خدمات صحية أخرى بالتعاون مع الصليب الأحمر، بما في ذلك استشارة طبية وقابلة قانونية”.
وتابعت الخوري: “أعمل مع الصليب الأحمر والمراكز الصحية الأولية، وأستمع لكل شخص يريد أن يتحدث، أفهم حاجاته وأقدم له الدعم النفسي”. وأضافت : إن أبرز احتياجات النازحين تشمل الأدوية المزمنة والملابس، فقد وصلوا بما تيسر لهم من جلبه وحمله . كما يحتاجون إلى مواد تنظيف نظرًا للاكتظاظ الذي يزيد من تدهور النظافة، فضلًا عن حاجتهم إلى أسرّة للمرضى والحرامات والفراش، ونحن على ابواب مطر وبرد فصل الشتاء .
وختمت بالقول: “إن أهالي القرى يزورون النازحين باستمرار ويقدمون لهم ما يستطيعون من مساعدات، كما يسعدونهم، ويلعبون مع الأطفال ويقضون وقتًا معهم”. وحذرت من أن “قلة النظافة قد تؤدي على المدى البعيد إلى انتشار أمراض معدية.”


