إنَّها قصَّةُ إيمانٍ ونجاحٍ. سبعُ بناتٍ صَعيدِيَّاتٍ، من قريةِ ” برشا ” في الرِّيفِ المِصريِّ، يتألَّقْنَ على السَّجَّادةِ الحمراءَ، من خلالِ فَوْزِ فيلْمِهِنَّ، “رَفَعتُ عَيْنَيَّ للسَّما”، بِجائزةِ العيْنِ الذَّهبيَّةِ، لأفضَلِ فيلمٍ تسجيليٍّ، ضمنَ مهرجانِ ” كان” السِّينمائيِّ الدَّوليِّ.
الفيلمُ يتناولُ قِصَّةً حقيقيَّةً لفتياتٍ، أسَّسْنَ فرقةً مسرحيَّةً، تستمِدُّ فَنَّها، من الفُولكلُورِ الشَّعبيِّ الصَّعيديِّ، في قريةِ ” برشا ” في مُحافظةِ المِنيا، ليُعالِجْنَ من خلالِهِا مشاكلَ مُجتمعيَّةً مثلَ: الزواجُ المُبكِرُ، وضرورةِ تعليمِ الفَتياتِ، إضافةً الى العُنفِ العائليِّ…
ويُعَدُّ هذا الفيلمِ، والذي هو من بطولَةِ ثلاثُ مُراهقاتٍ: ماجدة مَسعود، هايدي سامح، ومونيكا يوسف، تجربَةً حِسِّيَّةً، تُحاكي طبيعةَ الحياةِ لأهلِ الصَّعيدِ، مع كلِّ ما يُرافِقُها من تحدِّياتٍ. ومن خلاله، تَظهَرُ الشخصيَّةُ الصَّعيديَّةُ بِشكلِها التَّلقائيّ، عبرَ مقاطعَ تصويرِيَّةٍ وكأنَّها حيَّةٌ.
إنَّ كلُّ واحدةٍ من هؤلاء الفتياتِ، تٌجَسِّدُ قصَّةَ طموحٍ إنسانيٍّ – أنْثَويٍّ، في التَّمثيلِ والرَّقصِ والغِناء، كما وفي التَّعبيرِ عن كَيْنونَتِها المُستقلَّةِ، في الحقِّ في العملِ واستنباطِ المَهَاراتِ…
ولقد أخرَجَ هذه التُّحفةَ الفنيَّةَ، الثُّنائيُّ ندَى رياض وأيْمَن الأمير، اللذان اتَّصَفَا بواقعيَّةٍ جَليَّةٍ، حيث أن سجيَّةَ المُمَثِّلِين، بدَت واضحةً أمامَ الكاميرا، وكانَ المُشاهدُ وكأنَّهُ يتفاعلُ طبيعيًّا مع الأحداثِ.
أهميَّةُ هذا المَنتوجِ السِّينمائيِّ، لا تَنحَصِرُ فقط بالنَّجاحِ الفنِّي في نيْلِهِ الجائزَةَ، بل تَتَخطَّاهُ الى البُعدِ الاجتماعيِّ، في تصميمِ هؤلاءِ المُراهقاتِ اليافعاتِ، على تخطِّي سائرِ المَعُوقاتِ الاجتماعيَّة، وعلى عزمِهِنَّ التَّعبيرَ عن ذَوَاتِهنَّ وتَرسيمِ مُعاناتِهِنَّ مع أقرانِهِنَّ، عبر هذا الفنِّ الرَّاقي، وهُنَّ من دونِ امكانيَّاتٍ، ومن خارجِ الوسطِ الفنّي المعروفِ. وبالرُغمِ من ظروفهنَّ الموضوعيَّةِ الغير مؤاتيةٍ، فَلَقَد تَمَكَّنَّ من إنتاجِ وإنجاحِ هذا الفِيلمِ، والوصولِ به الى أعرَقِ المهرجاناتِ الفنيَّةِ – العالميَّة، مَرتبةً وقيمةً.
وفي ظلِّ الأزماتِ الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة، التي تعيشُها معظمُ بيئاتِ هذا الإقليم، والتي جَذْرُها يعود الى تشويهٍ في معاني الحريَّةِ الفرديَّةِ والاستقلالِ المعنويِّ عند المرأة، تبقَى الثقافةُ والفنونُ، أساسًا لفَلسَفَةِ التَّخاطبِ الحضاريِّ، بين البيئاتِ والمُجتمعاتِ المُختلفةِ، والتي هي أبْلَغُ بِكَثيرٍ، من رتَابةِ مؤتمراتٍ وَرثاثةِ خِطاباتٍ وَصَخْبِ حواراتٍ.
إنَّ كلَّ بيئةٍ تَحترمُ البراعةَ وتُشجِّعُ الإتقانَ، هي بيئةٌ تَخدُفُ على دروبِ التطوُّرِ والرِّيَادَةِ.
فيما كلُّ مجتمعٍ، يَرْطُنُ مُستَقْبِحًا كلَّ نجاحٍ إبداعيٍّ، هو مجتمعٌ مأزومٌ حضاريًّا ومتخلِّفٌ أخلاقيًّا.
حبَّذا، لو تَتَزَيَّنُ بيئاتُ ومجتمعاتُ هذا الإقليمِ، بثقافةٍ باهرةٍ وبمسارحَ زاهرةٍ، تَتُوقُ الألحَاظُ إلى معاينَتِها!
تحيَّةُ إكبارٍ الى كلِّ أُنثى، عِصَاميَّةٌ عملًا، ورَائدةٌ فنًّا، ورَائعةٌ جمالًا، من اللواتي سِرْنَ على طريقِ الإبهار، التي خَطَّتْها بالعنفوانِ ومَشَت عليها بالإباءِ، المَلكَةُ العظيمةُ كليوباترا !