المهندس ساسين القصيفي
سَيِّد قُطُب، هو كاتبٌ وشاعرٌ وداعيةٌ إسلاميٌّ مِصريٌّ. وُلِدَ في العقد الاوَّلِ من القرنِ العشرين، وأُعدِمَ في ستينيَّاتِه، إبَّان حُكمِ عبد الناصر، بِتُهمَةِ تأليفِ عِصابَةٍ مُسلَّحةٍ. يُعتبرُ الأبُ الرُّوحيُّ لكلِّ منظَّماتِ الإسلامِ السِّياسيِّ الحديث، والتي استوْحَت من تعاليمِهِ، وعَمِلَت بِمَنهَجِيَّتِهِ، خاصَّةً فيما له علاقةٌ، بِنَشرِ ثقَافةِ الكراهيَّة وتمجيدِ العُنفِ، بِدءًا من تنظيمِ الإخوانِ المُسلمين وليس آخرًا بالقاعدَةِ وأخَوَاتِها…
في المقابل، كانَ في القرنِ السَّابِعِ عَشَر، مُفَكِّرٌ وفيلسوفٌ إنكليزيٌّ شهيرٌ، جان لوك، الذي أسَّسَ مدرسَةَ التَّنوير، وألهَمَ بِفِكرِهِ الشُّعوبَ والمُثقّفين في العالَمِ كلِّهِ، ووَطَّدَ بكتاباتِهِ التنويريَّة، دعائمَ الدَّولةِ الحديثة، ثقافيًّا ومُجتمعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، فلُقِّبَ بِ ” أبِ التَّنويرِ”.
وكانَ جُون لُوكْ، عَرَّابَ ومُنَظِّرَ الثَّورةِ اللّاعُنفيَّةِ الانكليزيَّةِ سنة 1688، والتي أرسَت قواعدَ المَلَكيَّةِ الدستوريَّةِ في أنكلترا.
وفي هذا الاتجاه، فإنَّ كلَّ الفلسفةِ التَّنويريَّةِ الغربيَّةِ، وقُلْ العالميَّة، استَنَدَت في مُندرَجاتِهِا، على فكرِ هذا الفيلسوفِ العظيمِ. فَكُتَّابُ عَصْرِ الأنوارِ الفرنسيِّين، مثل فولتير، الذي نادىَ بالحريَّةِ والتَّسامُحِ، ومُنتَسْكيُو الذي طالبَ بِفَصلِ السُّلطات، وَرُوسُّو الذي كتبَ عن فكرةِ العَقْدِ الاجتماعيِّ، كلُّهُم إرتَكَنُوا في مواضيعِهم على أفكارِ وكُتُبِ جون لوك.
جميعُ هذه الأفكارِ التقدُّميَّةِ والحَدَاثيَّة، انصَهَرَت في كياناتِ وأركانِ المُجتمعاتِ الغربيَّةِ، ابتداءً من القرن الثَّامن عَشَر، فَأثمَرَت أعظَمَ حضارةٍ في التَّاريخِ وعلى امتدادِ الجغرافيا الكَونِيَّة، وأفادَتِ البَشريَّةَ جَمْعاءَ، خاصةً في تطويرِ العلومِ والطِّبِ والهَندسَةِ والزِّراعةِ والتكنولوجيا والاتِّصالاتِ والمُواصلاتِ… كما وارتَقَت، الى أسمَى، بالمَفاهيمِ السِّياسيَّةِ والإجتماعيَّةِ والإنسانيَّةِ، في الديمقراطيَّةِ والحُريَّةِ والتَّسامُحِ وحُقوقِ الإنسانِ…
فاستحقَّ هذا الفيلسوفُ الفَذُّ، أن يكون سيِّدَ التنويرِ، مَعَ كُلِّ الهَيْبَةِ المَعرفيَّةِ التي اكتَنَزَ وأفاضَ منها!
من جهةِ أخرى، فإنَّ أفكارَ سيِّد قُطُب، انتشرَت هي الاخرى، عبر مؤلَّفاتِهِ العديدةِ وكتاباتِه الغزيرة، فكانت أنْ أنتَجَت ، فضاءً عامًّا مُحتَجِبًا عن شُعَاعِ التَّنويرِ، وبيئاتٍ مُنغَلِقَةٍ يسودها الركودُ الفكريُّ، وأنظمةً تَخدُفُ بعيدًا عن سَيْرورَةِ الديمقراطيَّةِ، ومؤسَّساتٍ مَدنيَّةً ذواتِ لَوْثَةٍ طائفيَّةٍ، مع مَسْحةٍ من العُنصُريَّةِ، وتنظيماتٍ حزبيَّة، مُؤَدلَجَةٍ ذواتِ نزعةٍ عُنفِيَّةٍ.
فكانت أن تَخَلَّفَت هذه الحالاتُ عن مَثيلاتِها، في الشَّرقِ والغربِ، على الصُّعُدِ العِلميَّةِ والثقافيَّة والاجتماعيَّةِ والسِّياسيَّة والاقتصاديَّةِ، وعَجِزَت عن الأخذِ بِفكرةِ العقدِ الإجتماعيِّ او تبنِّي مبدأَ الحُريَّةِ ولو على نِطاقها الضيَّق. كما وإنَّ فكرةَ المؤامَرَةِ الكونيَّةِ، وسرديَّةَ تَقبيحِ الآخر، ومَشهدَّيَّةَ النَّظرةِ الاستعلائيَّةِ الفَّارغَةِ، والتي روَّجَ لَهُنَّ سَيِّد قُطُب، ما زُلْنَ، يَتَسَنَّمْنَ أبراجَ الجَهْلِ، التي تَتَوَسَّطُ أسوارَ التَّخلُّف، والتي بُنِيَت مِدماكًا فوق مِدماكٍ، على مدى عقودٍ وقرونٍ.
شَخصيَّتانِ، كلٌّ في زمانِها، نَحَتَا، بإتَّجاهيْنِ معاكِسَيْنِ، فكانَ مُجتَمَعَانِ مُتبايِنَيْنِ،
وفِكرَتانِ، كلٌّ في مَكانها، أحدَثَتَا، مَنَاعَتَيْنِ ثقافيَّتَيْنِ، فَكانَ التَّكامُلُ والاجتماعُ عَسِيرَيْنِ.
وفي النهايةِ، فإنّ الحالةَ المُجتمَعيَّةَ الإنسانيَّةَ، تُشبِهُ أرضًا خصبةً، بُذورُها المَعرفةُ، وسَمَادُها العِلمُ، وماؤها الحريَّةُ،
وكلٌّ يَجْني حَسْبَ زَرعِهِ!