يواجه الرئيس نبيه بري وخلفه حزب الله الاستحقاق الرئاسي ببرودة أقرب منها الى “لامبالاة” نظراً لتداعيات ما يحصل جنوبا من تصعيد ميداني أرغم حركة أمل على الانخراط بعد استشهاد ثلاثة من عناصرها في غارة اسرائيلية ودفع بالحزب الى رفع جهوزيته تحسبا لأي حرب محتملة.
ولأن لا شيء يعلو على الميدان الجنوبي، بادر الرئيس بري الى الاستعانة بالحلفاء لاطالة أمد الفراغ الرئاسي وابقاء الرئاسة الاولى شاغرة الى حين وقف التصعيد الاسرائيلي على غزة وانسحاب ذلك على مختلف الساحات في المنطقة. واخذت هذه المبادرة طابعا نيابيا على شكل تكتلات تسعى الى تنفيس الاحتقان لدى الاطراف الرافضة لتمييع الاستحقاق الرئاسي وعلى رأسها الكنيسة المارونية والتواصل معها من اجل تحريك الملف.
جاءت الموازنة لتكون سندا لأصحاب نظرية البقاء في الفراغ وايلاء الوضع جنوبا الاهتمام الضروري، فما ان انتهى استعراض ساحة النجمة حتى ظهرت تبعات ما حصل في جلسات التصويت على الموازنة الجديدة، وبدأت تحركات الشركات والنقابات التي طالتها الضرائب وخرجت اصوات الموظفين المطالبين بإنصافهم من خلال اعادة وضع سلسلة رتب ورواتب فتقدمت المطالب المعيشية بصورة مفاجئة على حساب الاستحقاق الرئاسي الذي تعرض في الوقت نفسه لانتكاسة كبيرة تمثلت بالغاء سفراء الخماسية جولتهم على الاطراف وحصرها بلقاء الرئيس نبيه بري في غياب السفير السعودي وليد البخاري الذي سبقهم الى عين التينة والتقى رئيس مجلس النواب قبل أن يغادر الى المملكة للتشاور واطلاع المسؤولين هناك على آخر تطورات الملف الرئاسي.
وبحسب مصادر نيابية مطلعة فإن الرئيس نبيه بري دعا السفراء الى اعطاء الافرقاء مهلة لأن بعض القوى السياسية تطالبه بفتح حوار يستبق الدعوة الى انتخابات رئاسية على أن تكون مفتوحة الى حين انتخاب رئيس، لافتة الى ان بري اوعز الى بعض الكتل النيابية القادر على المونة عليها اطلاق مبادرة حوارية والتشديد عليها كمدخل لانتخاب رئيس، وقد لبّت بعض الكتل دعوة بري وبدأت حراكها مع القوى السياسية لاقناعها بالمشاركة على طاولة حوار في مجلس النواب والذهاب بعدها الى انتخابات رئاسية. ولعلّ أول المبادرين بحسب المصادر كان تكتل الاعتدال الوطني الذي بدأ جولته على الافرقاء لاطلاعهم على مبادرته لتحريك المياه الرئاسية الراكدة والتي تدعو في بنودها الى حوار ينتج عنه توافق على رئيس للجمهورية.
ويتقصّد بري من دعوته ابقاء الملف مفتوحا ريثما ينضج الحوار السعودي الايراني على الساحة الداخلية، اذ يتردد في الكواليس عن طبخة يتم التحضير لها بين الرياض وطهران ينتج عنها تسوية لبنانية جديدة.
اما العقبات التي تفرض نفسها على مثل هذه التسويات فتكمن في لعبة شد الحبال وتحديدا في المطالب الايرانية لرزمة الحكم في البلاد، اذ تخشى السعودية اعادة تجربة الثلث المعطل داخل الحكومة لقاء انتخاب رئيس للجمهورية مقرب منها، فيما تسعى طهران الى تثبيت الثنائي الشيعي في الحكم بصفته ضابط ايقاع عبر توزير المحسوبين عليه مقابل وزراء مقربين من المملكة.
وتجمع المصادر على ان الحوار السعودي الايراني في الشأن اللبناني لا زال في بداياته وينتظر مرحلة ما بعد استنباط النوايا، فإذا تقاطعت المصالح الدولية مع العاصمتين يكون هناك رئيس للجمهورية اما اذا ظل الوضع على ما هو عليه فلا أمل برئيس أقله في سنة الـ 2024.