… وْسَاْلوني: لَيش خُماسِيّي؟ جاوَبْتُنْ: “لأنّو… فِيا أكْبَرْ كَمِّيّي مْنِ الْمَعاني، بْأقَلْ كَمّيّي مْنِ الْكِلْماتْ. وْسَأْلوني: ليش كْتَبت بِاللُّغا الْمِحْكِيّي؟ قِلْتِلُّن لأنّو الْمِحْكِيّي أغْنى بِكْتير من الفَصيحا وْأسْهَلْ عَ النّاس بِالْفِهم، لأنّا لُغِة الْحَياة الْيَوْمِيّي، وِاللُّغا لّي بْيِحْكي فِيا الطِّفل هوّي وْعَ حُضن إِمّو… وْلأنّو الشّاعر بِالْمَحْكي بْيِكتب بِاللُّغا لّي بْيِحْكِيا، أمّا الشّاعر الْعَرَبي، بِفَكِّر بِاللُّغا لّي بْيِحْكِيا وِبْيِكْتُب بِالْعَربي.
وْهَون بِأَكِّد هَالشّي الْكاتِبْ الْفَرَنْسي الْمَشْهور “موريس باريس” يَلّي قال بِما مِعناه: “شُعَرا المَحْكِيّي بْلِبْنانْ، بِعيشو بِقْلوب النّاس وْبِبْيُوتُنْ، وْنِحْنا شُعَرا الْفُصْحا مِنْعِيش بْكُتُبُنْ، مِنْ هَيك ما تِتْعَجَّبو إزا كان بِشِعْرُن في حَرارا أكْتَرْ ما في بِشِعرنا”.
وْبيقول أمير الشُّعَرا “أحمد شَوقي” حَرْفِيًا “أنا ما خَفْش عَ الْفُصْحى إلاّ مِنْ بَيْرَم التّونسي، وماقدَرش اعَبِّرلُكُم كَمْ مِن القصايِد تَمَنِّيت لَو تِكُون مِنْ نَظْمي وِتْكُون مِنْ ِتَوْقيعي”.
وْبِيقول أَمير الزَّجَل اللّبناني صاحب كُلُّنا لِلْوَطَنْ “رشيد نَخلة”: “الشِّعر الْعامّي وِالْبَيان ما بْيِلْتِقْيو أبدًا، وْمِشْ لازِم يِدْخُل عَ هَالنَّوع مْنِ الشِّعر لَفظ فَصيحْ، مَهْما كان إلُو رَوْنَق بِاللُّغا الْعَرَبِيّي، وْإزا بِبَعض الأماكِنْ سْتَعْمَل الشّاعِر الْعامّي بَعض الأَلْفاظ الْمِشْتِرْكي بَين الْفُصْحا وِالْعامّيّي،بِتْكون الْمَسْأَلي مِن قَبِيل الشّزوز، وِالشّاز ما بْيِنْقاس عْلَيه”.
وْبِيقول“إبن خزمان “وِمْنُورِد ما قال بِحَرْفِيّْتو ـ: “لَقَد جُرِّدَ هذا الزَّجل مِن الإعْراب كَما جُرِّدَ السّيف من الْقراب”.
سْمَحولي هَون أعْطي رَأْيي بِبَعض الْمُلاحظاتْ وِبْكِل تَواضُع تَ قول: التِّطْويل وِالْحَشو وِالتِّكْسير بْيِقْتلو الشِّعر، لأنّو بِالتِّكْسير، بْتِفْقُد الْقَصيدي الْموسيقى وِالإيقاع النّْضيفْ، وِالتِّطْويل بِشَلِّحا جَمالاتا، وِالْحَشو بِخَلِّيا بَلا مِعْنى وْضايْعا.
بِالْماضي كانِت شايْعا الْمُطَوِّلاتْ الشِّعْرِيّي عِنْد الْعَرَبْ وْغَيْرُنْ، وْكان هَالتِّطْويل يْغَرِّق الْقَصيدي بِالْمَلَلْ، بَسّ الْيَوم ما عاد مُسْتَحَبّ هَالأُسْلوبْ يَلّي فاتو الزَّمَنْ، وِالأَصَحّ إنَو تْكون هَالْقَصيدي زْغيري، بَس مِسْتَوْفِيّي كِل شُروط الشِّعر يَلّي بِخَلِّيا بِجَوّ الْجَمال وِالرَّوْعا وِالإبْداعْ، زْيادي عَ إنّو الْقَصيدي الزّْغيري سَريعِة الْحُفظ، بِبَساطِتا وْفِسْتانا الْقَصير يَلّي بْيِلْبَقْلا كْتيرْ.
والشِّعر الْمَكْتوب بِهُدوء وْحِسْ وْرَهافي، هُوّي يَلّي بِيِفْرُض حالو عَ النّاسْ، وْهُوّي الْيَوم الأَصَحّ لِلْوُصول لَمُسْتَوى شِعْري مَرْمُوق، بْعيد عَن الْمُيُوعا وِالإبْتِزالْ.
الشِّعر الْمَحْكي اللّبْناني تْطَّوّر كْتير، وْصار عْلَيْنا نْجاري هَالتّطَوُّر بِكِتابي أحْلى وْأرْقى، بَعد ما دَخْلِتْ عْلَيه مَدارِسْ كْتيري وْمَزاهِبْ عَصْرِيّي، لأنّو الثَّقافي مِشْ مِتِلْ قَبل، صارِتْ بِمُتناوَلْ كِل إنْسانْ، وْما عاد مْنِ الْمُسْتَحَبّ نْضَل عَ زات الطَّريقا وْعَ زات الأُسْلوبْ وِالنَّهج. وْهَون أنا ما عَم بِقصُد حدا مْعَيَّن مْن الشُّعَرا، وْعَم بِحْكي بِشَكل عام.
الشِّعر مَوْهَبي صَحيحْ، بَس هَالْمَوْهَبي لازِم نْهَزِّبا وْنِصْقِلا، تَ نْصير نِتْمَكَّنْ مِنْ إنّو نِكْتُبْ شِعر بِأُسْلوبْ أعْمَقْ وْأسْلَسْ وْأحْلى وْأَسْمى.
في شاعِرْ قَديم قالْ:
“صَرْلي زَمان كْتير ناطِر شُوفْها
وْما كانِت الْ حِبَّيْتها تَعْرِف تِجي”.
أمّا الْعِمْلاقَين الأَخَوَين رِحْباني، فَقالو بِزات الموضوع و بِزات الْمِعْنى:
“حَفْرِت خْيالي الشَّمس عَ الْمَفْرَقْ
وْرَف الحساسـين لْ إجا تْفَرَّقْ”.
يَعْني الشِّعر لازم يْكُون تِلميح مِشْ تِصريح تَ يْكُن شِعر حِلو… يِمْكِنْ هَلَّأ فْهِمْتو شو كنت عَمْ بُقْصُد، وِشو حابِبْ قول.
سْمَعو مِنّي وْتَعُو تَ نِطْلَع كِلْنا سَوا مْنِ التِّقْليد لِلتِّجْديدْ، تَ نْطَوِّر الْقَصيدي وِنْقَرِّبا مْنِ الْعَصر أكْتَرْ، وْنِهْرُبْ مْنِ الرّوتين يَلّي جِيل الشَّبابْ الْيَوم أكيد ما رَح يِتْقَبَّلو.
الشِّعر الْيَوم وِسْعِتْ مَطارْحو، لأنّو دَخَلْ الْجامعات وِالبْيوت وِالصّالونات الأدَبِيّي وِالْجَرايَدْ الْيَوْمِيّي وِالإزاعات والتّلفزيونات وِالْكِتُبْ أَكيدْ.
مِشْ لازِمْ بَقا يا هَالشُّعرا لْ مِنْحِبُّن كْتير، نْرَجِّع شِعرنا لِلْماضي، وْنِحْنا الْيَوم بِالألْفِيّي التّالْتي، بْعَصْر الْفَضائيّات، وِالإنْتِرنات، وْعَ مَشارِف إكْتِشاف سِر الْكَون.
الشّاعر هُوّي الْوَحيد لْ مَ بْيِقْدِر يْكون شي تاني لِأَنّو مِنْ فَصيلِة الأنْبِيَا. وْبَس يْغادِرْ الشِّعر كَشاعر وَلَوْ لِلَحَظات، بِحِسّْ حالو غَريب عَنْ حالو، وْإنّو هُو مَنّو هُو.
حَدا بْيِقْدِر يْقِلّْنا شُ الشِّعر غَير الشِّعر؟
حَدا بْيِقْدِر يْقِلّْنا شُ الْموسيقى غير الْموسيقى؟
حَدا بْيِقْدِر يْقِلّْنا شُ اللَّون غَير اللَّون؟
هَلْ هَيْدا بْيِعْني إنّو مَ إِلْنا وصول لِلشِّعر إِلّا إزا كِنّا شُعَرا؟!
نَعَم بِالتَّأْكيدْ، مَ فينا نوصال لِلشِّعر إلّا إزا كِنّا شُعَرا! كيف هَالشّي؟ الشِّعر وَحْدو بِخَبِّرْكُن مِشْ أَنا، حَتّى أَكبَر الْمُنَظِّرين وِالْباحْثينْ، ما قِدرو يَعرفو شُ هِيّي هَالْمادّي لْ إِسْما شِعر، ناس قالو عَنا إِلْهام شْياطين، وْناس قالو عَنا إِلْهام الْمُلْهَمين.
هَون أنا بْقُول: الشِّعر ضَرورا إِنْسانِيّي عاطِفِيِّي وِجْدانِيِّي، لُغا بِعَبِّر فِيَا الْإِنْسانْ عَنْ مَكْنونات صَدْرو بِرَنِّي مُوسيقِيِّي مَسْكُوني بِالْإِيقاعْ، مَعْجُوني بِالنَّغَمْ، وْبِالتَّالي لازِم يْكُون مَوْزونْ، لِأنّو الْوَزن مِنْ مُسْتَلْزَمات الشِّعر، إِزا ضاع الْوَزن، ضاع الْإِيقاع وْضاعِت الْموسيقى وْفَقَدْنا النَّغَمْ.
أَنا بْحِب أَكِّدْ هَون، إِنّو النَّثْر الْحِلو، أَهَمْ مْن الشِّعر إِزا كان الشِّعر نَظمْ، يَعْني تِرْكيب كَلام وْصَفّْ قَوافي وْصَفّْ حَكي.
مين قالْ مَثَلًا إِنّو جِبران خليل جبران، يَلِّ كَتَبْ نَثر كتير بْيِشبَه الشِّعر بِكْتاب النَّبي، مِشْ أَهَمْ مِن كْتير عِنْدُنْ دْواوين مَوْزوني وْمَ بْتِنْقَرا؟..
مين قالْ إِنّو أُمَرا النَّثر الْعَرَبي أمين نَخْلة، بِ “الْمُفَكَّرة الرِّيفِية”، وْفؤاد سليمان، بِ “درب الْقَمَرْ” وْ“تَمّوزِيّاتْ”، مَنُّنْ أَهَمْ بِكْتير كْتير مِنْ شُعَرا بْيِكتْبو عَ الْوَزن، نِظّامين عادِيّينْ مِفْتِكْرين حالُن شي مْهِمْ وْهِنّي مَ بْيِسْوُو شي، وِدْواوينُنْ عَبّو الْمَكْتَباتْ وِلْ فيسْبُوكات وِل واتْس أَپّات؟..
مينْ قالْ إِنّو نَثر سمير خليفة وْ موريس عواد بِالْعامِّيّي، مَنُّنْ أَهَمْ مْنِ كْتير شُعَرا بْيِكتْبو عَ الْوَزن، وِمْنِسْمَع شِعْرُن بالْأَحْزان وْبِالْأَفْراحْ وْبِأَكْتَرْ مِنْ مُناسَبي؟..
مين قالْ إِنّو النَّثر الْمُسَجَّع هُوّي شِعر؟.. هُوّي بْيِشْبَه الشِّعر يِمْكِنْ!، بَسْ مِيِّي بِالْمِيِّي مَنّو شِعر. يِمْكِن يْكُون أَهَمْ مِنّو بِكْتير، بَسْ لَيْش بَدْنا نْسَمِّيه شِعر؟.. يَعْني بْيِسْقُطْ مِنْ حَقّو إِزا قِلْنا عَنّو نَثر مَثَلًا؟
مِنْ هَون، أَنا بَدّي قُول لَكِلّ الشُّعَرا، وْلَكِلّ مِتْزَوّْقينْ الشِّعرْ الْعامّي، تَعُو سَوَا تَ نِقْطُفْ زَنابِق الْأَحْلامْ، تَعُو تَ نِهْرُبْ مِنْ خَلْف جْبال الْحِزنْ وْوِدْيان الْأَلَمْ، تَعُو تَ نِتْنَشَّق عِطر الْحَياةْ تَحت رايِة الشِّعر الْحِلو، مَطْرَحْ مَ طْيور الْعِشق، وِفْراشاتْ الشَّوق، بْتِرْسُمْ وِجّْ أَلله بْكِلْ نِقْطا، وْكِلْ حَرف، وْكِل كِلْمي بْقَصايِدْنا.
وْبالنِّسْبي لَ طَريقِة كِتابِة الشِّعر الْعامّي، يَلِّ عَ طولْ في جَدَل حَوْلو، أَنا، ـ نَجّينا مِنْ كِلْمِةْ أَنا ـ بِالْمُخْتَصَرْ بْقِلْكُنْ يَ أَصْحابْ كْتِبو بِالطَّريقا الِّ بَدْكُن ياها، بَسّْ سَمّْعونا شِعْر يْليق بِالْأَلْفِيّي التالتي مِنْ عُمر هَالْكَون.
أنا مَثَلًا بِكْتُبْ “مَدْرَسي” بِالْياء بدل الهاء، مِتِل ما بِلْفُظا، وْ “قِصّا” بِالْأَلِف بَدْل الهاء، وِكْتير بْيِكتْبو مِتْلي، بْعَكس غَيري يَلِّ بْيِكْتِبا“مَدْرَسِه” أوْ “قِصَّه”، بِحَرف الهاء، مِتِلْ مَ بْتِنْكَتَبْ بِالْفُصْحى، وْمِتِلْ مَ بْيِكْتِبا إستازنا جورج شكّور مَثَلًا.
كْتِبو مِتِلْ مَ بَدْكُنْ! مِتِلْ مَ بِتْحِبّو! مِتِل مَ بِتْحِسّو إِنّو الْكِلْمي لازِم تِنْكَتَبْ! بَس سَمّْعونا شِعر، وِطْلَعو مْنِ الْكَلام الْفَصيح بِالشِّعر الْعامِّي، قِلتا قَبل وْرَح إرْجَع قُولا مْنِ جْديدْ مِتِلْ مَ غَيْري كْتار قالُوَا، وِعْمِلو بِنَصيحِةْ شَيخ الْأُدَبا “مارون عَبّود” يَلِّ قال حَرْفِيًّا: “وَأَنا إِن خِفتُ على هذا الشِّعر الْعامّي مِنْ شَيْء، فَلَسْتُ أَخافُ عَلَيْهِ إلّا مِنْ تَفاصُحِهِ”.
تِصْبَحو عَ شِعر وألله معكن…
خَيّْكُن الزّغير جان سمراني