Skip to content Skip to footer

بوتين واجتماعُ البريكس


المهندس ساسين القصيفي

حوّلَ الرئيسُ الروسيُّ، قِمَّةَ البريكس، المنعقدةَ في روسيا، بِمُشاركةِ عشراتٍ من الزُّعَمَاءِ المَدعوِّين، الى استعراضٍ ديبلوماسيٍّ كبيرٍ، حيثُ أرادَ السيِّدُ الرئيسُ، إظهارَ فَشَلِ الإدارةِ الأميركيَّةِ – ونحنُ على بُعدِ أقلَّ من عشرة أيَّامٍ، من موعدِ الانتخابات الأميركيَّة – في محاولاتها الدؤوبةِ، بِعَزلِ روسيا عن السَّاحَةِ الدوليَّة أو إقصاء بوتين ديبلوماسيًّا.

في الشَّكلِ،
حقَّقَ بوتين فوزًا باهرًا، لِناحيَةِ نَوْعيَّةِ الحُضورِ وشكْلِ الإجتماع. كما وكانت لِطريقَتِهِ في استقبالِ الضيوفِ، والتي باتَت جزءًا من برُوتُكولاتِهِ الديبلوماسيَّةِ، التي يتفنَّنُ بها السيِّدُ الرئيسُ، أمامَ عَدَساتِ المُصَوِّرين، وقعًا إيجابيًّا لدى الضيوف.

في المَضمُونِ،
لم تَخْرُجِ البياناتُ الرسميَّةُ، عنِ العناوين العَّامَّة. فلا مشاريعَ مُستَقبَليَّةَ واضحة المَعالِمِ ولا خطواتٍ تنظيميَّة هادفة، أُعلِنَ عنها.

في الوقائع،
يلحظُ المراقبُ، غِيابًا تامًّا، لمجموعةِ البريكس، عن الحضورِ الفاعلِ على السَّاحةِ الدوليَّةِ.
فَمُنذُ اكثَرَ من سنةٍ، هناك حربٌ ضروسٌ تدورُ في الإقليم، وليس هناك أيَّةُ مبادرةٍ سياسيَّةٍ أو إغاثيَّةٍ مُنبثقةٍ عنها او عن احد اعضائها الفاعلين.
ومنذ أكثرَ من سَنَتَيْن، هناك حربٌ مُدَمِّرَةٌ، تدورُ بين روسيا واوكرانيا. وليس هناك ايَّةُ وَسَاطةٍ فِعليَّةٍ للسَّلامِ.
وفي الخلافِ المائي الكبيرِ، بين مصر وأثيوبيا – وهما دولتان عُضوَتَان في بريكس – حَوْلَ تقاسُم مياه النيل، لم تُطرَح أيَّةُ حلولٍ تِقَنيَّة.
أعتقدُ أنَّ ما يُفَرِّقَ أعضاءَ هذه المَجموعةِ، أكثَرَ بكثيرٍ، مِمَّا يَجمَعُهم. فروسيا وإيران مثلًا، تَسْعَيانِ لإحلالِ نظامٍ دوليٍّ جديدٍ. فيما الهندُ والبرازيلُ، تُريدانِ تحسينَ وَضعَيْهمَا، ضِمنَ النِّظامِ الدَّوليِّ القائم. أمَّا عَلاقاتُ الهندِ مع الغربِ، فَهِيَ أفضلُ بكثيرٍ من علاقَتِها مع الصِّين او إيران مثلًا.
وفي ما خصَّ نِظامُ تَحويلِ الأموالِ المُرْتَجَى، والذي يَأملُ الكثيرونَ، بأن يكونَ البديلَ عن نظامِ السِّويفت الغربي، فَدُونَهُ عقباتٌ كبيرةٌ. فَحَتَّى بنكُ التنميَةِ الجديد الذي أُنشَأتهُ مجموعَةُ البريكس، برأسمالِ 100 مليار دولار، تمنَّع عن تمويلِ مشاريعَ في روسيا او إيران، خوفًا من عقوباتٍ غربيَّةٍ. زِدْ على ذلك، فإنَّ رأسمالَهُ، مَرصودٌ بالعُملةِ الأميركيَّة!
من جهةٍ أخرى، فَإنَّ ما يُردِّدُهُ البعضُ، عن اعتمادِ عُملَةٍ مُوَحَّدَةٍ، بين أعضاءِ المَجموعَةِ، يَنُمُّ عن جَهلٍ في بديهيًّات عِلِم الإقتصاد.
وفي النهايةِ،
ما زالت هذه المجموعةُ تَفتَقِرُ، الى منظومةِ مُثُلٍ قِيَميَّةٍ وأخلاقيّةٍ مُتجانسةٍ فيما بَيْنها،
فلا نِظامٌ سياسيٌّ متشابهٌ بينهم. فهذا التَّجَمُّعُ يَضمُّ خليطًا من دُوَلٍ ديمقراطيَّةٍ وديكتاتوريَّةٍ ومَلَكيَّةٍ ودينيَّةٍ وثيوقراطيَّةٍ.
ولا شُرْعَةٌ اقتصاديَّةٌ للتَمَاثُلِ او للتَكامُلِ بين أعضائها. بَل هناكَ نزعةُ التنافسِ والتَّضَادِ بينهم.
ولا ثقافةٌ متقاربةٌ، ولا جغرافيا جامعةٌ، ولا تاريخٌ مُشتَرَكٌ… ولا مستقبلٌ مأمولٌ!
في الخُلاصةِ،
كانت مجموعةُ دولِ عَدَمِ الإنحيازِ، زمَنَ الحربِ الباردةِ، تُؤثِرُ الضَوْضَاءَ، عبرَ خطاباتِ عبد الناصر الحَمَاسيَّة، التي كان صَداها يتردَّدُ، مَمزوجًا بنكهةِ دُخَانِ سيكار الرفيق فيديل كاسترو الفاخِرِ؛ ولكن من دون أيِّ إنجازٍ يُذكَر.
وها هي مجموعةُ البريكس، تُقلِّدُ شكلًا ومَضمُونًا، مَنظومَةَ عَدَمِ الانحياز،
فَهُم، زُرَافاتٍ يجتمعونَ ويَتْلُونَ المُطَوَّلاتِ الخِطابيَّةِ، مهاجمين ” الإمبرياليَّةِ الأميركيَّة “،
وفُرَادَى، يبحثُ كلُّ واحدٍ منهم، على مَرقَدِ عنزةٍ، في جنَّةِ الليبراليَّةِ الغَربِيَّةِ!

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.