Skip to content Skip to footer

بكّرْتَ الرحيلَ يا باسكال

كنتَ في الحياةِ والموتِ كبيرا .
خرجتَ من ميفوق بدرا مُنيرا .
رضعتَ المَجد مع الحليب صغيرا
وانتسبتَ الى” القوات” مستنيرا .
وصرتَ رفيقا نصيرا، ومسؤولا جديرا،
ومحاورا قديرا .
فكمنوا لك بالأمسِ وقتَ الظهيرة , ونالوا منك مقتلا مثيرا ، وانتَ الإنسانُ الطيّبُ البشوشُ المتبسّمُ لا تحملُ مسدسا ، ولا سكينا ولا سلاحا في الشدائد قاتلا ولا مقتولا ؟

ليتني ما التقيتك يا باسكال ولا عرفتك ذاك الأيلول المنصرم في وادي جنّة عند مختارها الأبيِ عكر ..
يومها ، سردتُ لك قصّة سقوط الفارس ادونيس ، في المحلّة عينها، حيث كنا نرشف القهوة على خرير مياه النهر ، وهو ينقل من عمق الوادي عبر الأزمنة والأجيال صدى صرخة استشهاد البطل أدونيس بأنياب الخنزير البرّي لتسمعَه حبيبته عشتروت ، كما نَقَل بالأمس ، صدى وادي” الخاربة “صوتك المتردّد مدى الأزمنة في خلجات فؤاد حبيبتك ميشلين ، ” ما تقتلوني عندي ولاد “..

يقول المؤرخ أميانوس مارسلين (٣٣٠-٣٩٥) يا باسكال ، في أعماله ” الأدونيسيات” بعد مقتل أدونيس البطل :” من جانبهن، انفجرت النساء في البكاء والنحيب، وراحت تضرب على صدورهن وتولول وتصيح بأن أمل البلد قد قضي عليه بالقضاء على نخبة شبابه”

ليتني أيها “المنسّقُ” المحبوب ، لَمْ ألبِّ يومذاك دعوة الصديق مختار بلدة جنّة جان ابي عكر ، هذه ” الجنّة” المستلقاة وسط الغابة الدهرية على جانبي النهر المضمّخ بعطر الشهادة من فوح اله الاسطورة أدونيس .
ليتني تجاهلتُ دعوة المختار ابي عكر وفي متنها الشفهي التعرّف” على انسان مجبول بالطيبة والتهذيب والرقّة والإحساس ، ومعمّد بالشهامة والإباء وعزة النفس ، ومسكوب بقامة دينامية محلّاة بالبسمة المحبّبة والمصافحة الدافئة والرقة في التعابير المصحوبة بالدقة في الاحترام .
يومها ، وقد ” مالحتك ” ورايتُ ما فيك من مزايا نبيلة ومقاصد شريفة مازحتك صريحا :” يا باسكال ، ما الذي جاء بك الى الأحزاب في بلد أحزابها ليست بأحزاب كما تعلمناها في كتاب الكاتب السياسي موريس دو فرجيه عن “تكوين الأحزاب ودورها”… فابتسمت صادقا ، ونحنُ على أول لقاء ، وقلتَ ما قلته عن طموحك في خلق شبكة أمان بين الأحزاب الجبيلية تكون خميرتها من عجنة تاريخ بلاد جبيل كما عجنها الأجداد والآباء وخبزوها وتشاركوا في أرْغفتها من أعالي أرض ايليج الى قمم لاسا مشبوكة بالساحل الجبيلي …

صاحبَ طموح فذ كنتَ ، لتأمين الوئام بين أبناء منطقتك ..
صاحبَ ايمان راسخ بضرورة التلاقي الجبيلي على ما نحن عليه من اختلافات في الألوان والتلاوين لأن اللوحة الجميلة تكون بتداخل ألوانها في صُنعة فنّان مُبدع مُؤمن خلّاق .
صاحبَ همّة لا تملّ ولا تستكين لتنظيم صفوف “الشباب الرفاق ” على قاعدة التضامن والتشارك في الخير العام ومحبة الآخرين .
مسالما مؤمنا كنتَ .
جبيليا محباً كنتَ .
وطنياً عاملا كنتَ .
قواتيا جامعا كنتَ .
بطلاً هادئاً كنتَ ، وكأني بك تردّد من عليائك ما قاله الشاعر عمر ابو ريشة:

تقْضي البُطولةُ أنْ نمدَّ جسومُنا
فَقُلْ لرفاقِنا أنْ يَعْبّروا

لقد سمع “الرفاق” يا باسكال وعلى جسر قناعاتك وأفكارك سيعبرون..

أيها الراحل الكبير
قيل في الموت بأنه حقٌ من عند الله ولكن الفراق من عندنا صعبٌ وأليم ، ونحنُ إذ نودعك اليوم الوَداع الأخير نردّد :” إنّ العين لتَدْمَع ، وإنَّ القلبَ لَيُوجَع وإنّا على فراقِكَ يا أبا رالف لَمَحْزونون ” .
رحمات الله عليك ،
سكناكَ بين الشهداء الأبرار ،
ولعائلتك أسمى العزاء والدُعاء .

جورج كريم
في ١٢ نيسان ٢٠٢٤

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.