ما كنتُ أعْرفُك يا قيصر ، انا المُعجَبُ بالقياصرة وانتَ “القيصرُ” الجبيلي؟
ما كنتُ أعرفُكَ رجلَ المواجهة في المجابهة والبطلَ المُنتصِر ؟
عَشقْتُكَ على السمع ، لأنَّ “الأُذنَ تعشق قَبْل العَين أحيانا” ؟!
وأُذُني اليُمنى سمعتْ بك اولاً من جار سكني ، رجل الكرامة بشموخ الأرز الصديق ايلي باسيل ، واليُسرى من أخيك في النَسَب ونظيري في الخَلْقِ المهندس شارل باسيل يوم عرّفني عليه والدكما نجيب ، مُفتخرا بالمهندس شارل المتخرّج حديثا من جامعات إيطاليا ومتحدثا عن “قيصره” ” القيصر الحالاتي ” ، واللبناني النابغة في جامعات أميركا باختصاص الهندسة المعمارية ، كما شَهِدَ لكَ في ودَاعك بالأمس زميلك في الجامعة يومذاك ، المدير العام اليوم ، المهندس جان جبران فكتب راثياً ومُستذكراً في وقفة الوفاء وأمانة الزمالة : ” كان قيصر الطالب المرجع لرفاقه اللبنانيين في الجامعة، لتفوقه في العِلم وقد ادهش أساتذته والدكاترة، واصبح هذا الطالب اللبناني مميزا في صفوفه وبين رفاقه” .
كلّما جَدَّ ذكرُ قيصر باسيل في بلاد جبيل تحدّثَ الناسُ عن حامل ألقاب المروءة والشجاعة والنخوة الى جانب العطاء بكرم وسخاء.
فأي قبّة او صالة كنيسة ليس لقيصر باسيل فيهما من بصمة ؟
وأي مئذنة أو قاعة مسجد ليس له فيهما من ذِكْر ؟
وأيّ نادٍ أو جمعيةٍ أو ” وقفٍ” ليس له فيها من شكر ؟
وأيّ حاجة دواء اواستشفاء أو إعالة أو قسط مدرسي ، ليس له فيها خفيّ المساعدة والمَكرُمات ؟
وهُوَ الرافضُ ابداً كلَّ شكرٍ عَلَني ولا ترحيبٍ إستثنائي ولا تفضيلٍ إنساني ، حيث يهرع إليها الآخرون ..
أخي قيصر
نسيبك ايلي باسيل ، كان يردد دائماً على مسمعي كلما يممت بحديثي شطر بلدة حالات ورئيس بلديتها الراحل المهندس شارل :
” قيصر رجّال” !
“رجّال” كنتَ يا قيصر في صناعة نفسك،
“رجّال” في بناء مستقبلك،
“رجّال” في ادارة مؤسّساتك.
“رجّال ” في مواقفك السياسية والوطنية،
“رجّال” في المعارك الإنتخائية وخاصة البلدية،
“رجّال” في احترام زهوة النصر واحتضان خسارة الخصوم ،
“ورجّال ” أكثر في صِدْقِكَ وكشفِ نواياك وانتَ في زمن التخابث والتكاذب والمحاباة .
هكذا “عشقتُك على السَّمَع ” أولاً..
وعندما التقينا وتجالسنا وتحادثنا رأيتُ نبيذَ خمرتك من العنب “المرْوِحْ” الجبلي اللبناني صافياً كعين الديك ،
لذيذا كطعم النجاح ،
بهياً كفجر لؤلؤي ،
ونقياً كسجود وصلاة.
مِن يومذاك ، شمَمْتُ فيكَ عطرَ “الرجولة” البناءة وبهجةَ المواسم لبلدتك حالات.
عرفتُكَ تَمضي الى غاياتك بعزمٍ والعَزومُ هو الفائز دوماً.
عرفتُكَ تُصرّف رأيَك بحَزمٍ كأحسن ما يصرِّفُه الحَزوم.
كنتَ تُطوّع كل ما يعصيك بحكمةٍ وحِنْكةٍ وليس الأمرُ بالسَّهل المَروم.
فأنتَ نَقيٌّ لا تُداجي في نُقاك ، وتَقِيٌّ لا تُحابي في تُقاك ، وعزيزُ النفس كتومُ الشكوى بين الخصوم والحلفاء ، لأنّكَ كنتَ على بصيرةٍ بما تخبّئه الأيامُ والأحوالُ من تبدّلات وتغيّرات ، وإنَ خُلُقَك العظيمُ في كل هذا ، موروثٌ عن بيتك ، من جدّك لأبيك النجيب، “نجيب”.
عرفتُك دوماً خارج دائرة التبجيل والتفخيم والتعظيم ، فأنتَ العظيمُ بشخصك وليس إضافةً ولا بتقديم.
آمنَتَ بتواضع الرسُل والحُكماء فكنتَ رسولاً بتصرفاتك ، حكيماً بما ينطقُ به لسانُك الحامل لكلّ الحبّ والحنان من القلب الطيّب ، على سياجٍ متين لدوحة الكرامة الباسيلية الجبيلية، وعزّة نفس أهل بيتك المجبولة بعرق الجبين وبخور القداسة .
يا صديقي قيصر
بالأمس بكيناك على فُرقة البُعاد الأبدي، ومن قبلك بكَيْنا العظيمةَ صولانج والكبيرَ شارل، ولكنْ ما حيلة الباكين وما حيلتُنا سوى التسليم بحكم العليّ القدير الذي لا يَسْتريبُ به ضميرٌ حكيم ولا عقلٌ سليم.
سنبقى نَذكُركَ ونتذكّرك مع صولانج وشارل برجحان العقل وتحنان القلب.
سنتذكركم بجوانحنا مثالاً لثلاثية ذهبية حالاتية جبيلية باسيلة لا تتكرر ولا يُنجبُ الدهر بمثلها.
٠
رحلتَ على مشيئة الله ولم تَحْجُب الدنيا عنّا صورتَك وطلتَك وفروسيتَك، فأنتَ باقٍ هنا مع صولانج وشارل.
ستبقى “الرجّال” كما يصفك نسيبك ايلي في كلّ خَاطرةٍ وبَال ..
ستبقى لنا ولحالات القدوة والمثال.
والعزاء لزوجتك المربية جومانا وولديك شارل وكرميل وأشقائك وشقيقاتك وعيالهم والدوحة الباسيلية وأهالي حالات الطيبين .
رحماتُ الله عليك ، وإنّا على فراقكم لمحزونون .
الروابط
جورج كريم