Skip to content Skip to footer

القوَّةُ النَّاعمَةُ المَفقُودَةُ،


المهندس ساسين القصيفي

ليس مطلوبًا من كلِّ أمَّةٍ، أن تكون قوَّةً فاعلةً، على المستوى العسكريِّ والسياسيِّ والإقتصاديِّ في السَّاحةِ الدوليَّة، لكنْ، من واجباتِ كلِّ أمَّةٍ، الحضور العالميّ، عبرَ قِوَاها النَّاعمَةِ، مثلَ البحوثِ العِلميَّةِ أو الجامعاتِ الأكاديميَّةِ أو الفنونِ الجميلةِ أو الموسيقى أو السِّياحَةِ أو الرِّيَاضة… او حتى في شَكلِ المَلْبَسِ وفي طريقَةِ المَأكلٍ. وهذه كلُّها مُقَوِّماتٌ، للبروزِ حَضَاريًّا، وللمساهمَةِ إنسانيًّا، ضِمنَ هذا السِّياقِ التَّطوُّري، كقوَّةٍ ناعمةٍ، في عالمٍ وقد غَدَا قريةً كونيَّةَ.
وللأسف،
إذا نَظَرنا الى مجتمعاتِ هذا الإقليمِ، نَرَى أنَّها فَقَدت في العُقودِ الأخيرةِ، الكثيرَ منَ القليلِ الذي كانت تَملُكُهُ، من عناصرِالقوَّةِ النَّاعمَةِ، المُكمِّلَةِ لِدَعائمِ حضورها والمُطَوِّرَةِ لِنُمُوِّها.
فلا أبحاثٌ أكاديميَّةٌ عِلميَّةٌ، تُحاكي مُتَطلِّبَاتِ العَصرِ، ولا حضورٌ لامِعٌ في نادي الجَوائزِ التَّقديريَّةِ العالميَّةِ. وكأنَّ هذا الإقليمُ قد استقالَ من هذه المُهِمَّةِ المُوجِبَةِ.
كما وإنَّ مناهجَ التَّعليمِ، مَدرسِيًّا وجامعيًّا، باتَت، لا تُحَفِّزُ اسلوبَ الشَكِّ، ولا تُدَرِّبُ العقولَ على التَّفكيرِ البَحثيِّ، كما ولا تصنعُ أجيالًا مؤهَّلةً لحاجاتِ سُوقِ العملِ. ولقد أضْحَى الكثيرُ من المؤسَّساتِ التربويَّة، تُخَرِّجُّ حَمَلَةَ شهاداتٍ، أُميِّين مِهَنِيًّا. أضِف الى ذلك، أنَّ المُستوى التَرَاتُبِيَّ، لأغلبِ جامعاتِ الإقليم، هَوَى بعيدًا الى الورَاءِ، الى ذيْلِ اللائحَةِ. وكأنَّ الجَهلَ العِلميَّ، ما فتئَ يتوسَّعُ بتأثيرهِ، ويَحجِزُ مكانًا مَرمُوقًا له، في وِجْدانِ الكثيرينِ، خاصَّةً، عندما تَلحَظُ أنَّ فَلسفَةَ التَّبريرِ، تحوَّلَت بَديلًا مُقنِعًا، تملأُ النُّفوسَ الحائرَةَ، حُجَجًا، وتُشبِعُ هذه الذَّاتَ النرجسيَّةِ والنَّزيفةِ، عِزَّةً. وهذا ما يُفسِّرُ الكثيرَ من اليَبَابِ المَعرفيِّ، الذي انحدَرَ اليه، الوعيُ الجَمْعِيُّ في الإقليم.
أمَّا الفنونُ السَّاميةُ، فانحَسَرَ تأثيرُها واحتُجِبَ أداؤها. فقليلون هُمُ بَعدُ، مَن يستمعَ الى أمِّ كلثومٍ. فيما فيروزُ أصبحت حِكرًا على جيلٍ يأفلُ. والرقصُ الشرقيُّ والغربيُّ باتَ مُعَيَّبًا. والفنُّ الرَّحبانيُّ او أغاني وديع الصَّافي وَوَردَة الجزائريَّة … لم يَعُد لهذا الجيلِ. وكذلك الأمر، في البرامج التلفزيونيَّةِ والسِّينماِ، والتي صارَت بِمُجمَلِها – أو ما تبقَّى منها- على مستوى جَمَاليٍّ وفنّيٍّ هابطٍ. وهذا هو الوضعُ في مُجمَلِ دُوَلِ الإقليم.
عُمُومًا، صارَ الفنُّ الرَّاقيُ، مُقَبَّحًا ومَرْذُولًا…وأيَّامُ الزَّمن الجميلِ بِفُنونِها وبفنَّانيها وَلَّتْ، ولن تعود!
والسِّياحةُ، ما انفكَّ يَتَضاءَلُ مَردودُها الإقتصاديُّ، ويَخِفُّ حَجمُها التَّفاعُلِيُّ الثَّقافِيُّ، إذ لم يعُدْ لا أمانٌ ولا سلامٌ، ولا بُنَى تَحتيّةٌ، والكثيرُ من آثارِ ومتاحِفِ الإقليمِ قد دُمِّرَت أو نُهِبَت. فيما السَّائحُ قد ولَّى وَجْهَهُ، اتِّجاهاتٍ أُخَرٍ.
وفي الرِّياضَةِ، فَإنَّ النَّتائجَ المُخزيَةَ، لِرِيَاضِيِّي الإقليمِ، المُشاركينَ في الألعابِ الأولمبيَّةِ الحاليَّةِ في فرنسا، قد بانَت عُقْمَ هذه النَّماذجَ المُطَّبَّقَةِ، وكشَفَتِ عَوْرَاتِ هذه المُجتَمَعاتِ. كما وكانَ للتَّصريحاتِ السَّفيهةِ لِبَعضِ المَسؤولين أو الفائزين، الخارجَةِ عنْ – وَعَلى الثقافةِ الرِّياضيَّةِ، صدىً يعكُسُ تَخَلُّفًا في الشَّكل والمَضمُون!!
وفي النهايةِ،
لقد فَقَدَت مجتمعاتُ هذا الإقليمِ وشعوبهُ، سِحْرَ جاذبيَّةِ الشَّرقِ، الذي تَمَتَّعَت به، لِعُقودٍ خَلَت، وذلك بعد أن أخفقتِ، مِرَارًا وتَكرارًا، في معركةِ الأُنموذَجِ والإزدهارِ، ولم يَعُد لديها شيءٌ تفتخرُ به.
فهَلْ إِسْتَحَالَ هذا الإقليمُ، الى ” رَجُلِ القرنِ الواحِدِ والعشرينِ المَريضِ ” الذي عَجِزَ أهلُهُ عن مُدَاوَاتِهِ، فيما فَشَلَت كلُّ محاولاتِ الطَّبيبِ العِلاجيَّةِ، في استنباطِ، إكسيرَ حياةٍ لهُ !؟

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.