كانت غزوةُ حركَةِ حماس، على مناطقِ غِلافِ غزّة، إيذانًا بِبِدايةِ مرحلَةٍ، ونهايةِ أخرى في الشرق الاوسط. فَمَا لاحَ حتى الان، هو بدايةُ الحربِ الكُبرى المُؤجَّلةُ في الإقليمِ، والتي من المُبكِرِ التَّنبؤُ بنتائجِها العَسكريَّة وخُلاصَاتها السِّياسيَّةِ.
وبعيدًا عن نَمَطيَّة النِّقاشاتِ، مِنْ سلامٍ وتطبيعٍ مع اسرائيل او الإحتِشادِ في مِحورٍ دَوليٍّ مُناهضٍ للغربِ، يبدأُ من موسكو وبكين ولا ينتهي على شواطئ اليمن، يبقى السؤالُ المفقودُ لشعوبِ الإقليم: أيُّ دولةٍ تريدُ أن تَبنِيَ؟ هل هي دولةٌ تَبغي الحداثةَ والتطوُّرَ؟ أمِ الاستمرارُ في سياساتٍ تُعلي ثقافةَ الحربِ في أهدافِها؟!
إنَّ كلَّ مُتابعٍ مَوضوعيٍّ، يَلحظُ انَّ السِّمةَ العَّامةَ لمُعظمِ دُولِ الإقليمِ، في العقودِ الاخيرة، هي نزاعاتٌ داخليَّةٌ مَفتوحةٌ، وآفاقٌ اجتماعيَّةٌ واقتصاديَّةٌ مسدودةٌ، معَ واقعٍ سياسيٍّ مأزومٍ.
ومع انفجارِ الهُوِّياتِ على أنواعِها بين شعوبِ هذا الإقليم، باتت الأجيالُ تُوَرَّثُ، الكثيرَ من الأميَّةِ العِلميَّةِ المَمزوجَةِ بِنَكهةِ الحِقدِ المَذهبيِّ والطَّائفي، مَعَ تفشٍّ لأيْدُولوجيا مَرَضِيَّةٍ، في إعلانِ الكَرَاهيَّةِ لكلٍّ ما هو غربيٍّ.
وما دامَ صنمُ القبيلةِ، هو الطاغي على عقولِ معظم شرائح هذه المجتمعات، فسيبقى تشوُّهُ المنطقِ العام هو السَّائدُ. لذلك لا عجَبَ ان ترى مدرسةَ، أحمدَ سعيدٍ، ومُحمَّدَ سعيدِ الصَّحافَ، أنَّها ما فتِئَت هي المنهجُ الطَّاغيُ على الفضائيَّاتِ العَرَبيَّةِ. كما وإنَّ مَراكزَ الأبحاثِ والدِّراساتِ، أصبحت تُحلِّلُ باتِّجاهٍ واحدٍ، حتى يُخيلُ للمراقبِ، أنَّ مشاكلَ شعوبِ هذا الإقليم، أضحَت قِيَميَّةً وثقافيَّةً وليست سياسيَّةً فقط.
وما الشَّتيمَةُ الأيْدُولوجيَّةُ العَلَنيَّةُ للغربِ، مَعَ العَجزِ الواضِحِ لِلِّحاقِ بحضارتِهِ الرَّائدةِ، إلا تعبيرٌ عن انفصامٍ، في الشَّخصيّةِ الفرديَّةِ والجَمعيَّةِ لكثيرٍ من مُكَوِّناتِ هذا الإقليم. وبات الشِّفاءُ من هذه الظاهرة، مَدخلًا ضررويًّا لحلِّ كلِّ نزاعاتِ هذه المنطقة.
الانتصارُ الكبيرُ لشعوبِ وبلدان هذا الإقليم،
هو في أن تكون جامعاتُه، مَوَائلَ مُتقدِّمةً للأبحاثِ العِلميَّةِ، خاصةً فيما له علاقةٌ، بالتكنولوجيَّاتِ الحديثةِ، وذلك باستقطابِ المُجاهدينَ العِلمِيِّينَ، من كلِّ أنحاءِ العالَم، لتأسيسِ حاضرةٌ أندلُسِيَّةٌ جديدةٌ!
وهو في أن تكون مُدُنَهُ، واحاتٍ للحريَّاتِ العامَّةِ، حيث تُسقَطُ كلُّ المَعوقاتِ المَوروثة أمامَ إبداعاتِ العقلِ، فَتَكُون بَوْتَقَةً اجتماعيَّةً جاذبَةً، تتنافحُ فيها الأفكارُ وتَتَلاقحُ فيها الحضاراتُ، وتنتشرُ فيها ثقافَةَ قبولِ الآخر، فَيَنبَعِثُ، من جديدٍ، شُعاعُ فلسَفَةِ ابنِ رُشدِ الأندلسيِّ، من بين رُكامِ قِلاعِ التَّخلُّفِ!
دولةُ الإماراتِ العربيَّة، وضعَت الَّلَبِناتِ الأولى لهذا الصَّرحِ، وما زالَ أمامها الكثير.
المملكةُ العربيَّةُ السَّعوديَّة، شَرَعَت بِهَدم أصنامِ الأفكار الرَّجعيَّة، والطريقُ ما بَرِحَ شاقّا وطويلًا ومُعوَجًّا.
مصر، ما زالت مُتَموضعةً في الإتِّجاهِ الخاطئِ من التَّاريخ، فيما الأردن يُنازعُ على حافَّةِ الهاوية. أمَّا لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا… فهم باتوا خارجَ السِّياق.
قال كارل ماركس: التاريخُ يُعيدُ نفسَهُ مرَّتيْن، المَرَّةُ الأولى كمأساةٍ والثانيةُ كَمَهزلةٍ.
أمَّا في منطقتِنا، فالتاريخُ يتكرَّرُ مع كلِّ جيلٍ، نَكبَةً ونَكسَةً، مع هَزَليَّةٍ في مُعالجةِ طوفانِ المآسي… ولا مَن يتَّعِظُ…
المهندس سياسين القصيفي