Skip to content Skip to footer

الطَّوَفانُ الأوكرانيُّ


المهندس ساسين القصيفي

باغتَتِ القوَّاتُ الأوكرانيَّةُ، الجيشَ الروسيّ، صباحَ السَّادسِ من آب، بهجومٍ كبيرٍ- خارجَ نِطاق مسرَحِ العَمليَّاتِ العَسكريَّة – على منطقةِ كُورْسْكِ، حيث سيطرَ الأوكرانيُّون على أراضٍ روسيَّةٍ، تُقدَّرُ مساحتُها بحوالَيْ ألف كم2.
لِمُقاطَعَةِ كورسْك، بُعدًا رمزيًّا، في الوِجدانِ الجَمعيِّ الرُّوسِيِّ، لِما لها، في الذَّاكرةِ العسكريَّةِ الرُّوسيَّةِ، من دلالاتٍ بطوليَّةٍ.
فَفيها، خِيضَت أهمُّ وأكبرُ معركةِ مُدَرَّعاتٍ في التَّاريخِ، زمَنَ الحربِ العالميَّةِ الثانيَةِ، في مثل هذه الأيَّامِ من سنة 1943، بين الجيشِ الأحمرِ السُّوفياتيِّ، الذي حشَدَ حوالَي 2400 من دبَّاباتِه الأسطوريَّة T34، بمواجهةِ حوالي 2700 دبَّابَةٍ ألمانيَّةٍ مُهاجِمَةٍ، من طراز بانثر وتايغر. وكان أنِ انهزَمَ الألمانُ، واعتُبِرَت هذه المعركةُ، مَفصليَّةً، باتِّجاهِ بدايةِ سَحْقِ النَّازيَّة.
وفي الهجومِ الأوكرانيِّ الأخيرِ هذا، على كورسْك الروسيَّة، يكون الغربُ قد أطلقَ حربًا كبيرةً، في خاصرةِ قوَّةٍ نوويَّةٍ عُظمى. أضِفْ الى ذلك، أنَّ الجيشَ الأوكرانيَّ، يستعملُ بِحَربِهِ هذه، دبَّاباتٍ ومدرَّعَاتٍ ألمانيَّة، من أخَوَاتِ اللاتي شارَكَن بمعركة 1943. وفي هذا الإطار، كَشَفَت مؤخَّرًا، إحدى المَجلَّاتِ الألمانيَّة، بِزَهْوٍ، الدَّورَ المِحوريَّ الذي تلعَبُهُ دبَّاباتُهم في هذه المعركة، وَوَصَّفتْهُ بالمُذهِلِ!!
عُمومًا، المشكلةُ تبقى في النَّظرةِ الأُخرى،
فليس سهلًا، أنْ تكونَ القيادةُ الرُّوسيَّةُ مُقتنعةً، بأنَّ هذا التَّدخُّلَ الألمانيَّ، هو جزءٌ من انتقامٍ، للهزيمةِ النكراءَ لألمانيا، في معركَةِ كورْسْك لسنة 1943!
وليسَ تفصيلًا، أن يَستَشهِدَ ويُؤسَرَ، مرَّةً ثانيةً، جنودٌ روسٌ، على أرضٍ روسيَّةٍ، بتخطيطٍ غربيٍّ، وبِسلاحٍ ألمانيٍّ، وبمساندةٍ لوجيستيَّةٍ أطلسيَّةٍ!
وهذه المعركةُ، هي أيضًا،
ضربةٌ مؤلمَةٌ معنويًّا، للأُمَّةِ الروسيَّةِ، وهم يُشاهدونَ، دبَّاباتٍ ألمانيَّة، تغزو بلادَهُم الأُمّ، للمرَّةِ الثانية،
وَوَاقعةٌ خطيرَةٌ جدًا، عندما تُستَحضَرُ، صورةَ الرَّغبةِ في الثأرِ من التَّاريخِ، عبرَ خطوطِ السِّياسَةِ الدوليَّة، وخاصَّةً تُجاهَ دولةٍ مثل روسيا، ومع رئيسٍ مثلَ بوتين!
إنَّها لعبةُ الأُمَمِ مرَّةً جديدةً.
ولا يُمكِنُ أن نَتَصوَّرَ الردَّ الروسيَّ، خارجَ هذه المَشهديَّةِ، في سياقِهِا الزَّمنيِّ ومَدَاها الجُغرافيِّ. ويبقى الخوفُ، من هذا ” التَّطَفُّلِ الغَربيِّ الإستراتيجيِّ”، أنْ يستَجلِبَ انزلاقاتٍ غيرَ مَحسوبَةٍ.
أخطأ الغزاةُ – الغُرَباءُ، في فهمِهِمِ لِصَحيحِ ” الرُّوحِ الروسيَّةِ “: إنَّها أمَّةٌ تَمرَضُ أحيانًا، ولكنَّها لا تموتُ ابدًا!
فَكلُّ من دخَلَ روسيّا غازيًا، خَرَجَ منها مَهزومًا مَذلولًا: هكذا تُعلِّمُ التَّجاربُ!
التَّتارُ-المغولُ صُدُّوا على أبوابِ كييف. العُثمانيّونَ، دُحِروا عن جغرافيَّةِ السّلاف. نابليون، فرَّ مُتَخفِّيًّا معَ ما تبقَّى من فُلولِ جيشِهِ. هتلر، فَضَّلَ الانتحارَ. وهكذا كان نصيبُ الصينيِّين واليابانيِّين، وقبلَهُما الفرنسيِّين والإنكليز…فهل سيكونُ مصيرُ زيلنسكي حاليًّا، مع شُركائِهِ الغربيِّين، مغايرًا لِحالِ أترابِهِ مِمَّن سَبَقوه!؟
إنَّ التاريخَ، أستاذٌ صارمٌ، فَطُوبى لِلذين يُدركونَ كَنْهَهُ، من دونِ أن يَعثُرُوا، في شِباكِ طَوَفانِهِ!!
25-08-2024

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.