الأستاذة والوسيطة القانونيَّة بدر حنا القصيفي
إنطلاقًا من واقع حياة الإنسان، وانطلاقًا من واقع أنّ الإنسان كائن اجتماعيّ لا يستطيع العيش منفردًا، أردت في هذه المقالة التّنويه إلى أهميّة الحوار اللّاعنفي وأبرز مبادئه واستراتيجيّات تطبيقه في حياتنا.
إذا استخدمنا كلمة “إنسان” نحن نقصد مطلق أيّ فرد في أيّ زمان ومكان؛ أمّا كلمة “مواطن” تحمل مفاهيم أخرى، فهو الإنسان الّذي ينتمي إلى بقعة جغرافيّة معيّنة من النّواحي كافّة الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والقضائيّة…
فهذا “المواطن – الإنسان” يمرّ بنموّه في عدّة مراحل بدءًا من طفولته في منزله ضمن عائلته إلى مدرسته الّتي سيعيش فيها 14 سنة من حياته وستطبع شخصيّته وتفكيره وسلوكيّاته ضمن حاضره ومستقبله.
وبما أنّ المجتمع اللّبنانيّ متنوّع الأديان والمذاهب والإتنيّات، دون نسيان ما مرّ به من انقسامات وخلافات وصولًا إلى حرب أهليّة دامية طبعت ماضيه وحاضره وستؤثّر بمستقبله ومستقبل أبنائه، لا بدّ من أن يتعامل أبناءه بين بعضهم البعض على أسس الحوار حتّى لا تتكرّر أحداث الماضي فيكون بذلك قد تعلّم من ماضيه واستطاع أن يعيش حاضره وبالتّالي تأسيس مستقبل مبنيّ على التّفاهم وأسس العيش المشترك.
فالإنسان بطبيعته يميل إلى النّزاع، ومنع حدوث نزاع يتطلّب بناء علاقة وطيدة بين المواطن والجماعات العرقيّة والإجتماعيّة والدّينيّة والثّقافيّة سواء الّتي ينتمي إليها أو يختلف عنها، عبر قبول التّشابه والإختلاف فيما بينهما حتّى لا يتمّ استغلال نقاط الإختلاف فيما بعد. فالنّزاع متعدّد الأوجه وأسبابه متنوّعة. كما لا بدّ من ذكر أنّ النّزاع بحدّ ذاته ليس بالأمر السّيء، فهو فرصة أو علامة في حياتنا، فخلفيّاتنا وقيمنا والطّريقة الّتي تربّينا فيها حمّلتنا معتقدات طبعت في حياتنا أساليب تواصل وطُرق لحلّ النّزاعات قد تودي بنا إلى مراحل ومطّبات قد لا نخرج منها سالمين.
لذلك لا بدّ من التّحدّث عن “الحوار اللّاعنفي” كوسيلة ضروريّة للتّواصل بين مختلف الأفرقاء لحلّ النّزاعات.
“الحوار اللّاعنفي” هو عمليّة تَواصل تهدف إلى معالجة النّزاعات بطرق سلميّة وفعّالة، دون اللّجوء إلى العنف أو الإكراه.
أبرز المبادئ الّتي يرتكز عليها:
- الإحترام المتبادل، فالإعتراف بحق كلّ طرف في التّعبير عن رأيه ومشاعره يعزز الثّقة ويُسهم في بناء علاقة إيجابيّة.
- الاستماع النَّشط، إذ يتطلّب الحوار اللّاعنفي الاستماع بتركيز دون انقطاع أو تقييم مسبق. فهذا المبدأ يساعد في فهم وجهات نظر الآخرين وتعزيز فرص التّوصل إلى حلول متفّق عليها.
- التّواصل الواضح والصريح أي التّعبير عن المشاعر والإحتياجات بطريقة واضحة وصادقة دون اللّجوء إلى اللّوم أو الهجوم.
- البحث عن أرضيّة مشتركة، فيركّز الحوار اللّاعنفي على إيجاد نقاط التقاء بين الأطراف المتنازعة، ممّا يساعد في صياغة حلول تلبّي احتياجات الجميع وتعزز التّعاون.
وهنا يُطرح السّؤال التّالي: ما هي أبرز استراتيجيّات تطبيق الحوار اللّاعنفي؟
- التّدريب والتّثقيف عبر تقديم برامج تدريبيّة وورش عمل حول الحوار اللّاعنفي يمكن أن يزوّد الأفراد بالمهارات والمعرفة اللّازمة لإدارة النّزاعات بشكلٍ فعّال.
- الوساطة عبر توظيف وسطاء محايدين يمكن أن يسهم في تسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة، فكلمة “وسيط” في اللّغة الفرنسيّة هي Médiateur. يُنظر إلى الوسيط على أنّه حياديّ، يقف في الوسط دون أن يكون طرفًا مع أيٍّ كان، لا يحكم ولا يقول مَن هو على حقّ ومَن هو على خطأ. فالوساطة هي طريقة لحلّ المشاكل الّتي لا تتعلّق بالقانون فقط، إنّها طريقة أكثر لطفًا لإيجاد الحلول لأنّها تُتيح للجميع مشاركة أفكارهم. ويمكن أن يؤدّي ذلك إلى حلول جديدة ومبتكرة ربّما لم يتمّ التّفكير فيها من قبل.
وهكذا يمكن أن نستخلص دور الحوار اللّاعنفي المساهم في تحقيق السّلام، هذا السّلام الّذي يجب قبل كلّ شيء أن ينطلق به الإنسان من ذاته فإذا كان مسالمًا في قرارة ذاته سيعكس تلقائيًّا سلامًا ضمن محيطه. على أمل أن يتمكّن هذا “الإنسان – المواطن” من إدراك أهميّة الحوار اللّاعنفي واستخدامه في سلوكيّاته بدءًا من ذاته للاتّجاه نحو الآخر الّذي يعيش معه ضمن منزلٍ واحدٍ وفي حيٍّ واحدٍ وصولًا إلى محيطه ضمن نطاق بلدته وبالتّالي وصولًا إلى الوطن ذات التّركيبة المتنوّعة كما سبق وذكرنا أعلاه.