
بيترا غانم
بعد أشهر من التوترات العسكرية والاشتباكات العنيفة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، باتت الأعين تتجه نحو التوصل إلى حل مؤقت لوقف التصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. وفي خطوة مفاجئة، يستعد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) لإعلان موافقته على اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان، وهو الاتفاق الذي توصلت إليه الأطراف المعنية بفضل وساطات دولية مكثفة. هذا الاتفاق يهدف إلى إرساء استقرار مبدئي في المنطقة الجنوبية، ويسعى إلى الحد من تداعيات الصراع المستمر بين الطرفين.
تفاصيل الاتفاق
من المتوقع أن يتم الإعلان الرسمي عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان في الساعات القليلة القادمة، بعد أن عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر جلسته الحاسمة . وفقًا للمصادر المتوفرة، سيشمل الاتفاق مجموعة من البنود الرئيسية التي تهدف إلى وقف الأعمال العدائية على الحدود بين البلدين.
التزامات الطرفين بموجب الاتفاق
وقف الهجمات المتبادل:يتعهد حزب الله، بالتعاون مع الفصائل المسلحة الأخرى في لبنان، بوقف جميع الهجمات على إسرائيل. في المقابل، تلتزم إسرائيل بوقف الهجمات الجوية والبرية والبحرية على الأراضي اللبنانية. ويشمل ذلك وقف القصف على المواقع العسكرية لحزب الله في الجنوب اللبناني، فضلاً عن تعليق الهجمات الجوية على مناطق أخرى.
الانسحاب الإسرائيلي التدريجي:منذ اللحظة التي يدخل فيها الاتفاق حيز التنفيذ، سيسحب الجيش الإسرائيلي قواته تدريجياً من الأراضي اللبنانية في غضون 7 أيام. ستكون هذه الخطوة متزامنة مع انتشار القوات المسلحة اللبنانية في جنوب نهر الليطاني لتعزيز الأمن في المنطقة.
الانتشار اللبناني في الجنوب:يتعهد الجيش اللبناني بنشر قواته في جميع المناطق التي كانت تشهد تموضعًا للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. كما سيرتفع عدد الجنود اللبنانيين المنتشرين في جنوب نهر الليطاني إلى 10,000 جندي، ليكونوا القوة المسلحة الوحيدة في المنطقة.
مراقبة دخول الأسلحة:تلتزم حكومة لبنان بمراقبة دخول الأسلحة والمواد العسكرية عبر الحدود، وخاصة إلى المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني. ستتعاون القوات اللبنانية مع المجتمع الدولي لضمان عدم وصول الأسلحة إلى الجماعات المسلحة غير التابعة للجيش اللبناني.
آلية المراقبة والتنفيذ
لتنفيذ بنود الاتفاق بشكل فعّال، سيتم تشكيل آلية مراقبة دولية تتكون من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ودول أخرى، بالإضافة إلى الأمم المتحدة. وستعمل هذه الآلية على تقييم مدى التزام الأطراف بالاتفاق، وضمان تفكيك الأسلحة غير المشروعة في جنوب نهر الليطاني، فضلاً عن تقييم أداء الجيش اللبناني في تنفيذ هذه البنود.
على مدار 60 يومًا من تنفيذ الاتفاق، سيتم مراقبة التفكيك التدريجي للبنية التحتية العسكرية غير الحكومية في الجنوب، وفي حال تبين أن هناك أي انتهاكات، ستقوم الآلية الدولية باتخاذ التدابير المناسبة. في نهاية هذه الفترة، ستتم مراجعة تنفيذ الاتفاق وتقديم تقارير للأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
عودة النازحين وتأثيرات الاتفاق على الوضع الإنساني
إحدى أبرز النقاط الإنسانية في الاتفاق هي السماح بعودة النازحين اللبنانيين والإسرائيليين إلى مناطقهم التي تم إخلاؤها بسبب النزاع. في لبنان، سيكون للنازحين في الجنوب الحق في العودة إلى قراهم دون أي قيود، بينما سيتاح للإسرائيليين، الذين فاق عددهم 70 ألفًا في الشمال، العودة إلى مناطقهم أيضًا.
ومع ذلك، فإن العودة لن تكون خالية من التحديات. في لبنان، يواجه العديد من النازحين صعوبة في العودة بسبب المخاوف الأمنية، وكذلك الدمار الذي لحق بمنازلهم جراء القصف الإسرائيلي. بينما في إسرائيل، يشكك بعض السكان في فعالية الاتفاق وقدرة حزب الله على الالتزام بالهدنة، خاصة أن الأخير ما زال يحتفظ بقدراته العسكرية رغم الضغوط التي تعرض لها في الأشهر الأخيرة.
التحديات الرئيسية أمام تنفيذ الاتفاق
رغم التفاؤل الذي يحيط بالاتفاق، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تؤثر على تنفيذه بنجاح:
الشكوك حول التزام حزب الله:أحد أكبر التحديات هو مدى قدرة حزب الله على الالتزام الكامل بالهدنة. الحزب، الذي يعتبر القوة العسكرية الرئيسية في جنوب لبنان، لا يبدو أنه مستعد للتخلي عن سيطرته على المناطق الحدودية. في الوقت ذاته، هناك شكوك في قدرة الجيش اللبناني على فرض الأمن في المنطقة، خاصة في ظل الوجود المستمر للجماعات المسلحة.
مخاوف إسرائيلية من الهجمات المستقبلية:في إسرائيل، يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحديًا كبيرًا في إقناع الجمهور بأن الاتفاق سيحميهم من هجمات حزب الله المستقبلية. العديد من الإسرائيليين يشعرون بالقلق من أن حزب الله قد يستأنف هجماته على شمال إسرائيل بعد فترة قصيرة من تنفيذ الاتفاق، خصوصًا بعد أن استمرت الهجمات خلال الأشهر الماضية رغم الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع الحزب.
التوترات على الخط الأزرق:يشكل الخط الأزرق الفاصل بين إسرائيل ولبنان، الذي تم تحديده من قبل الأمم المتحدة بعد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، نقطة نزاع مستمرة. العديد من النقاط على هذا الخط لا تزال غير مُعترف بها دوليًا، مما يجعل تنفيذ الاتفاق في هذه المناطق أمرًا معقدًا.
الدور الدولي والمجتمع الدولي:من المهم أن يظل المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا، ملتزمًا بدعم الاتفاق وضمان احترامه من قبل الأطراف. في هذا السياق، يبرز دور قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل)، التي ستكون مسؤولة عن مراقبة تنفيذ الاتفاق ومساعدة القوات اللبنانية في تطبيقه على الأرض.
الخاتمة
يعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان خطوة هامة نحو التهدئة في منطقة تعاني من صراع مستمر منذ عقود. ورغم التحديات العديدة التي قد تواجه التنفيذ الكامل لهذا الاتفاق، يبقى الأمل في أن يكون بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار النسبي على الحدود بين البلدين. ستظل الفترة القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الاتفاق سيحقق أهدافه على المدى الطويل، أو ما إذا كان سيظل مجرد هدنة مؤقتة تعكس التوترات الكامنة في المنطقة. لكن مع وجود آلية مراقبة دولية قوية، والتزام الأطراف الرئيسية بتطبيق بنود الاتفاق، يمكن أن يكون هذا الاتفاق نقطة انطلاق لتسوية أكثر ديمومة في المستقبل.