أثار رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع قائد الجيش العماد جوزيف عون موضوع الإنزال الإسرائيلي في منطقة البترون وخطف المواطن عماد أمهز. وعلمت «الأخبار» أن عون شرح ما لدى الجيش من معلومات، لكنه لم يجب عن سؤال مباشر حول عدم إصدار الجيش أيّ بيان في شأن ما حصل. وبرّر عون الأمر بأن التحقيقات يتولاها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي.
وفي هذا الإطار، توالت الأسئلة عما يقوم به الجيش إزاء هذا الخرق. إذ سُجل على قيادته عدم إصدار بيان حتى اللحظة بشأن ما حصل، فضلاً عن أن أحداً من مديرية المخابرات في الجيش لم يتواصل مع ذوي المخطوف لجمع معلومات بشأن ابنهم، علماً أن الجيش فتح تحقيقاً تقنياً في الشق المتعلق به، ولا سيما أنه المسؤول عن مراقبة البحر، لمعرفة كيف دخل جنود العدوّ وكيف خرجوا، وأين مكمن الخلل، وتحديد ما جرى رصده من خلال المعدات العائدة للجيش. وفيما لا جواب رسمياً من قبل الجيش حول عدم إصدار بيان حتى اللحظة، يحاول البعض رمي الكرة في ملعب فرع المعلومات الذي تولى بطلب من القضاء مسؤولية التحقيق، ما طرح تساؤلاً عن سبب إحالة الملف إلى هذا الفرع بدلاً من الجيش، وهو ما تجيب عنه مصادر بأن «القضاء أحال القضية إلى فرع المعلومات بعد تبليغ زوجة المخطوف عن اختفائه، ولم يكن قد تبيّن بعد أنّ هناك عملية إنزال قام بها العدوّ الإسرائيلي»، مشيرة إلى أن «المعلومات نفسها وصلت إلى الطرفين، وكل منهما يجري تحقيقاً في الشق المتعلق به».
وعلم أن النائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، لم يصدر استنابة قضائية يطلب فيها حصر التحقيق بفرع الملعومات، وخصوصاً أنه في حال ترك الملف الى فرع المعلومات فقط، فإن للأمر تبعات، من بينها حاجة التحقيق الى داتا موجود قسم منها لدى الجيش ولدى القوات الدولية العاملة في الجنوب، وخصوصاً داتا المراقبة الخاصة بنشاط رادارات تنتشر على طول الساحل اللبناني، كما توجد عدة طرادات وسفن حربية تابعة للجانبين الفرنسي والألماني في المياه اللبنانية وفي المياه الإقليمية أيضاً، وبالتالي يفترض توجيه طلبات حول الداتا من الجيش ومن القوات الدولية، وهو ما أشار اليه وزير الداخلية القاضي بسام المولوي بعد اجتماع مجلس الأمن المركزي أمس.
وفيما يعمل كل جهاز أمني في لبنان على الملف، إلا أن ما ظهر حتى الآن هو أن العدوّ تمكن من القيام بعدة أمور أساسية؛ منها:
أولاً، اخترق عن بعد كاميرات تسجيل في المبنى، وتبين أنه عطل عملية التسجيل أثناء تنفيذ عملية الخطف.
ثانيا: بيّنت المعطيات التقنية والفنية التي جمعت ان القوة قطعت مسافة لا تتجاوز الـ 250 متراً، ونجحت خلال أربع دقائق من لحظة النزول على الشاطئ الى لحظة الوصول الى المبنى والعودة الى الشاطئ. وأظهرت معاينة الشقة أنه تم جرّ المخطوف خلال أقل من نصف دقيقة من سريره الى الخارج، بينما عمل أفراد من القوة على أخذ بعض أغراضه ولا سيما الحاسوب وهاتفه الخلوي.
ثالثاً، استغلت القوة المعادية ثغرات في عمل الأجهزة الأمنية، إذ إنه لم يحصل أن تمت مداهمة شقة في لبنان بحثاً عن مطلوب بالطريقة التي نفذتها القوة المعادية التي لجأت الى ترهيب سكان المبنى الذين استفاقوا على صوت خلع باب الشقة، قبل أن يبادر أحد أفراد القوة الى الصراخ بلهجة لبنانية: «فوتو لجوّا.. نحنا أمن دولة».
وبحسب مصدر قضائي، فإن الجهات الرسمية توافقت على أن يقدم كل جهاز ما لديه من معطيات وما يجمعه من معلومات حول ما حصل، وأشار الى أن كل الحديث الذي جرى مع عائلة وأصدقاء وجيران المختطف، لم يعط أي إشارة الى أن له علاقة بحزب الله أو بعمل خاص، وأن كل عارفيه تحدثوا عن سفره الدائم، وأنه كان يشارك دائماً في دورات تدريبية لرفع مستوى أدائه لقيادة سفن كبيرة، إضافة الى أنه كان يدرس التقدم بطلب هجرة الى كندا مع أفراد عائلته.
وبحث الرئيس ميقاتي في موضوع الإنزال مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وسفيرة الاتحاد الأوروبي، وسلّمهم رسالة أكدت «أن العدوان الإسرائيلي المستمرّ، وخصوصاً الهجمات على مدن مثل بعلبك وصور، أدت إلى نزوح قرى بأكملها وتهديد مواقع تراثية وثقافية لا تُقدّر بثمن»، موضحاً «أن الحكومة تدين بشدة هذه الأعمال التي تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ وتعرّض حياة المدنيين الأبرياء للخطر، وندعو إلى وقف فوري للنار لوقف العنف العبثي»، مطالباً «مجلس الأمن باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لحماية هذه الكنوز التاريخية».
وقال ميقاتي «إن الحكومة اللبنانية أعلنت صراحة التزامَها بالقرار 1701، وعزْمها على تعزيز الجيش في الجنوب ورحّبت بكل المواقف التي تدعو الى وقف إطلاق النار، إلا أن العدوّ الإسرائيلي انقلب على كل الحلول المقترحة ومضى في جرائم الحرب في حق مختلف المناطق اللبنانية». (الاخبار)
من جهة أخرى، لم يصدر بيان رسمي عن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفل) بشأن ما حصل في البترون الجمعة الفائت، عندما خطفت قوة كوماندوس إسرائيلية آتية من البحر المواطن اللبناني عماد فاضل أمهز من بيته ونقلته الى جهة مجهولة. فهل كان يفترض أن تتدخل اليونيفل لمنع القوة الإسرائيلية من الوصول الى الشاطئ اللبناني؟
أنشأ مجلس الامن الدولي قوة اليونيفل عام 1978 لـ«التحقق من انسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة حكومة لبنان على تأمين عودة سلطتها الفاعلة» (القرار 426). أما قوة اليونيفل البحرية فتأسست عام 2006، وهي تتألف من سفن حربية بنغلادشية وألمانية ويونانية وإندونيسية وتركية، تنتشر على امتداد الساحل اللبناني لـ«دعم القوات البحرية اللبنانية في مراقبة مياهها الإقليمية وتأمين السواحل اللبنانية ومنع دخول الأسلحة غير المصرّح بها إلى لبنان عن طريق البحر» (كما يرد في الموقع الرسمي الخاص باليونيفل). وثمة جانب آخر من مهام قوة اليونيفل البحرية، يتمثل بمساهمتها في تدريب البحرية التابعة للجيش اللبناني.
بما أن المسؤولية الأساسية لحماية لبنان واللبنانيين من أي هجوم عسكري خارجي تعود للجيش اللبناني، كان يفترض أن تقدم اليونيفل المساعدة اللازمة للدفاع عن الشواطئ اللبنانية والتصدي للهجوم العسكري على البترون كونه تجاوزاً خطيراً وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. واذا كان الجيش غير قادر عسكرياً وتقنياً على مواجهة القوة الإسرائيلية المهاجمة، كان يفترض أن تسانده اليونيفل لأن ذلك يصبّ في إطار تثبيت سلطة الدولة اللبنانية و«تأمين السواحل اللبنانية» ودعم و«تدريب البحرية التابعة للجيش اللبناني».
لا بد من الإشارة الى أن قوة اليونيفل البحرية هي الأولى من نوعها في بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة. وتتباهى الأمم المتحدة بأن «نشر القوة البحرية التابعة لليونيفل كان خطوة تاريخية دفعت إسرائيل إلى رفع حصارها البحري عن لبنان» عام 2006. لكنها تتحفظ عن الادلاء بأي تصريح اليوم بعد امتناعها، أو عجزها، عن مساندة الجيش ومنع انتهاك السيادة اللبنانية من قبل إسرائيل وعن حماية مواطن لبناني من الخطف والإخفاء القسري.
تبلغ الميزانية السنوية لليونيفل نحو نصف مليار دولار، ويعمل فيها حالياً 11,000 شخص، من بينهم 10,000 عسكري، فضلا عن حوالي 550 موظفاً مدنياً محلياً و250 موظفاً مدنياً دولياً. ويساهم نحو 50 بلداً في قوات اليونيفل، بما في ذلك إندونيسيا التي تعدّ أكبر مساهم (1200 عسكري). وتتكون القوة البحرية التابعة لليونيفل حالياً من خمس سفن مجهزة بتقنيات عسكرية ورادارات متطوّرة، إضافة إلى ست طائرات هليكوبتر. فكيف يمكن أن تمرّ سفن حربية إسرائيلية تنقل أكثر من 20 عنصراً مسلّحاً، عبر المياه الإقليمية اللبنانية، متجاوزة رادارات المراقبة وأنظمة الرصد العسكرية التابعة للأمم المتحدة، وتصل الى الشاطئ حيث تنفذ جريمة خطف مواطن وتنقله الى جهة مجهولة من دون أن تدري اليونيفل، أم أنها علمت بالأمر ولم تبلّغ القوات البحرية التابعة للجيش اللبناني؟
ولا بد من الإشارة الى أنّ من حق اليونيفل استخدام القوة. فهي بعثة لحفظ السلام تعمل بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. وفي إطار تنفيذ ولايتهم، يجوز لأفراد هذه القوات ممارسة حقهم الأصيل في الدفاع عن النفس. كما يجوز لقوات اليونيفل أن تلجأ إلى الاستخدام المتناسب والتدريجي للقوة من أجل:
• ضمان عدم استخدام منطقة عملياتها في أنشطة عدائية؛
• مقاومة المحاولات باستخدام القوة لمنع قوات اليونيفل من أداء واجباتها بموجب التفويض الممنوح لها من مجلس الأمن؛
• حماية أفراد الأمم المتحدة ومرافقها ومنشآتها ومعداتها؛
• ضمان أمن وحرية تنقل موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني؛
• حماية المدنيين المعرضين لخطر العنف الجسدي الوشيك.
لكن اليونيفل لم تفعل، ولم تحم «أفراد الأمم المتحدة ومرافقها ومنشآتها ومعداتها» عندما استهدفها الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر في الناقورة وفي عدد من قواعدها في الجنوب؛ كما أنها لم تحمِ المدنيين المعرّضين للخطر؛ ومن بينهم اللبناني المخطوف والمخفي قسراً عماد أمهز. (عمر نشاية – الاخبار)