Skip to content Skip to footer

أفخاخٌ ثوريَّةٌ


المهندس ساسين القصيفي

مع نموٍّ الثورة الصناعيَّة في اوروبا في القرن الثامن عشر، ظهرَ بشكلٍ جَليٍّ في المجتمعاتِ الاوروبيَّة، طَبَقتان اجتماعيَّتان ي جديدتَان ، هما الطبقَةُ العامِلَةُ والبُرجوازيَّة.
ومع الثورةِ الفرنسيَّة، بدأت تَتشكَّلُ الاحزابُ اليساريَّةُ في أوروبا، والتي رفعَت شعارَ العدالة الاجتماعيَّة. وهذه الافكارُ التقدُّميَّةُ بِزَمَنِها، قد أجبَرَت مالكي وسائلِ الإنتاجِ، على تقديمِ تنازُلاتٍ اجتماعيَّةٍ، لِصالحِ الفئاتِ العاملةِ، مِمّا أحدثَ شِبْهَ عدالةٍ اجتماعيَّة في اوروبا والغرب عامَّةً، بعد الحربِ العالميَّةِ الثانيَّة.
وكانت حروبٌ وثوراتٌ في الصِّينِ الامبرطوريَّة، وكوريا، وجمهوريَّةُ كوبا، ودولةُ فيتنام، وروسيا القيْصَريَّة، وفرنسا الملكيَّة، وصولًا الى مملكةِ مِصر وكثيرٍ من دولِ الإقليمِ…
الصينُ، دفَنَت بهدوءٍ، مع زعيمِ ثورتِها ” ماو تسي تونغ”، أفكارَهُ الشيوعيَّة وثورتَهُ الثقافيَّةُ الفاشلَةُ، ومَنَعَتهُ من قيادةِ مُستقبلَ الأُمَّةِ من ضريحِهِ. ودفَعَت بِنُخَبها الى تطويرِ العلومِ والتَّنميةِ، بعيداً عن عوائِقِ الأيديولوجيا الشُّيوعيَّة. فأنشأت في دولةٍ واحدةٍ نظامَيْنِ، واحدٌ سياسيٌّ شيوعيٌّ يتَحَكَّمُ بالدولةِ، فيما تركَت هامشَ حريَّةٍ كافٍ، للنشاطِ الاقتصاديِّ. فَهَجَرَت الفقرَ الشيوعيَّ، وَنَجَت الى الان منَ الفخّ الثوريِّ!
أمَّا كوريا الشماليَّةُ، فما زالت ترزَحُ تحت قبضةِ الثورة، في نظامِ شيوعيٍّ متخلِّف. فيما شقيقَتُها الديمقراطيَّة الجنوبيَّة، باتت أحدى النُّمورِ الاقتصاديَّة العالميَّة.
وفيتنامُ، رمزُ ثوراتِ التَّحَرُّر الناجِحَةِ، كافَحَت لاستقلالها فَفَلَحَت. ثمَّ جاهدت لتنمتيها الاقتصاديَّة، بعد ان خلعت عنها الشِّعاراتِ الثوريَّةَ، فبرزَت دولةً متطورةً في الاقتصادِ والاجتماع.
أمَّا في منطقتنا، فكانت باكورةُ الثوراتِ – الانقلاباتِ، مع عبد الناصر في سنة 1952، الذي كانت له اليدُ الطُّولى في تغيِّير وجهِ الشَّرقِ الاوسط، نحو الدكتاتوريَّة الثوريَّة. فشجَّعَ الانقلاباتِ على الحكوماتِ الشَّرعيَّةِ، في ليبيا والسودان والجزائر واليمن وسوريا ولبنان والعراق…وطبعا منظمَّةُ التَّحرير الفلسطينيَّة. فاستَوَت هذه الدُّولُ تقريباً، الى نفسِ حالةِ الفشلِ الثوري!
والناظرُ الى هذه الدُّولِ، يراها تُعاني من نفسِ عَوارض التَّعثُّرِ، في السِّياسَةِ والاقتصادِ والاجتماعِ. لقد وقعت في شباكِ الأفخاخِ الثَّوريَّة!
مشكلةُ الثُّوارِ واليَسَارِ عامَّةً، انَّهم عجزوا عن بناء دولةٍ عصريَّةٍ حداثيَّةٍ ديمقراطيَّة. وما دولُ المُعَسكرِ الشَّرقيِّ سابقًا، مَعَ معظَمِ الدُّولِ العربيَّةِ الثوريَّةِ، إضافةً الى كوبا وفنزويلا.. الا أمثلةً ساطعةً على حالةِ الانهزامِ الحَضَاريِّ للأيدولوجيا اليَساريَّةُ / الثوريَّةُ.
هؤلاء ” الثوريّون”، يبحثون دومًا عن فئة او قضيَّة، يجعلوها قضيَّتهم، ليدافعوا عنها شعاراتيًّا، وليُعطوا لأنفسهم شرعيَةً وطنيَّة او قوميَّة او حتى دينيَّة. وعادةً ما يكونون، إذا ما وصلوا الى السلطة، اكثَرَ طُغيانًا، وأسْوَأ أدارةً، لمقدِّرات الدولة.
هكذا جرى في فرنسا وروسيا.. وهكذا حصل في ليبيا ومصرَ والسودان واليمن والعراق …
إنّها مأساةُ الأفخاخِ الثوريَّة،
طوبى لمن عرفها ولم يسقط فيها!

إشترك معنا في النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية في صفحتنا على
الويب للحصول على آخر الأخبار.